
أذكر – هنا بإيجاز- مستعيناً بالله تعالى أصح الأحاديث النبوية الواردة في صيام يوم العاشر من محرم، وهو المعروف بـ(عاشوراء)، موضحاً معناها، كاشفاً الإشكال الذي قد يتوهمه متوهم من ظاهرها، مبيناً ضعف الحديث الوارد في فضل صيامه، والله الموفق إلى الصواب، وإليه المرجع والمآب.
عن ابن عمر رضي الله عنهما قال : صام النبي صلى الله عليه وسلم عاشوراء، وأمر بصيامه، فلما فرض رمضان ترك، وكان عبد الله لا يصومه إلا أن يوافق صومه. صحيح البخاري ( 4501 ) مسند أحمد ( 4483, 5203 )
وعن عائشة رضي الله عنها قالت : كانوا يصومون عاشوراء قبل أن يفرض رمضان، وكان يوما تستر فيه الكعبة، فلما فرض الله رمضان قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : ” من شاء أن يصومه فليصمه، ومن شاء أن يتركه فليتركه “. صحيح البخاري، 1592 (المجلد : 2 الصفحة : 148).
وعن عائشة رضي الله عنها، أن قريشا كانت تصوم يوم عاشوراء في الجاهلية، ثم أمر رسول الله صلى الله عليه وسلم بصيامه، حتى فرض رمضان، وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : ” من شاء فليصمه، ومن شاء أفطر “. صحيح البخاري 1893 (المجلد : 3 الصفحة : 24)
وعَنْ عَائِشَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا، قَالَتْ : “كَانَ يَوْمُ عَاشُورَاءَ تَصُومُهُ قُرَيْشٌ فِي الْجَاهِلِيَّةِ، وَكَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَصُومُهُ، فَلَمَّا قَدِمَ الْمَدِينَةَ صَامَهُ وَأَمَرَ بِصِيَامِهِ، فَلَمَّا فُرِضَ رَمَضَانُ تَرَكَ يَوْمَ عَاشُورَاءَ، فَمَنْ شَاءَ صَامَهُ، وَمَنْ شَاءَ تَرَكَهُ”. رواه البخاري 2002.
وحديث أم المؤمنين عائشة رضي الله عنها هذا أعده أفضل حديث جمع بين الأحاديث الواردة في صوم عاشوراء، فلخص الأمر تلخيصاً مبيناً.
وعَنْ عَبْدِ اللَّهِ بن مسعود رضي الله عنه، قَالَ : دَخَلَ عَلَيْهِ الْأَشْعَثُ وَهُوَ يَطْعَمُ، فَقَالَ : الْيَوْمُ عَاشُورَاءُ. فَقَالَ : كَانَ يُصَامُ قَبْلَ أَنْ يَنْزِلَ رَمَضَانُ، فَلَمَّا نَزَلَ رَمَضَانُ تُرِكَ، فَادْنُ فَكُلْ.
صحيح البخاري 4503.
وأما حديث ابْنِ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا، قَالَ : قَدِمَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الْمَدِينَةَ فَرَأَى الْيَهُودَ تَصُومُ يَوْمَ عَاشُورَاءَ، فَقَالَ : ” مَا هَذَا ؟ ” قَالُوا : هَذَا يَوْمٌ صَالِحٌ ؛ هَذَا يَوْمٌ نَجَّى اللَّهُ بَنِي إِسْرَائِيلَ مِنْ عَدُوِّهِمْ فَصَامَهُ مُوسَى. قَالَ : ” فَأَنَا أَحَقُّ بِمُوسَى مِنْكُمْ “. فَصَامَهُ وَأَمَرَ بِصِيَامِهِ.رواه البخاري 2004.
وحديث أبي موسى الأشعري رضي الله عنه قَالَ : كَانَ يَوْمُ عَاشُورَاءَ تَعُدُّهُ الْيَهُودُ عِيدًا. قَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : ” فَصُومُوهُ أَنْتُمْ “.رواه البخاري 2005.
وحديث ابْنِ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا قَالَ : مَا رَأَيْتُ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَتَحَرَّى صِيَامَ يَوْمٍ فَضَّلَهُ عَلَى غَيْرِهِ، إِلَّا هَذَا الْيَوْمَ ؛ يَوْمَ عَاشُورَاءَ، وَهَذَا الشَّهْرَ. يَعْنِي شَهْرَ رَمَضَانَ.رواه البخاري 2006.
فكلها تحمل على صيام عاشوراء قبل فرض رمضان؛ جمعاً بين الأحاديث الصحيحة الواردة في ذلك، ودرءاً لتوهم تعارض ظواهرها، والله أعلم وهو الموفق إلى الصواب.
وأما حديث أن صيام عاشوراء يكفر سنة! فلم يروه البخاري، ورواه مسلم وأبوداوود والنسائي وأحمد وغيرهم، ومدار أسانيده على عبدالله بن معبد الزماني عن أبي قتادة به! وقد قال البخاري:(لا يعرف سماعه من أبي قتادة)! فالحديث منقطع، وهو من أنواع الحديث الضعيف كما هو معروف في علم مصطلح الحديث؛ ولذلك تركه البخاري رحمه الله. وهي علة دقيقة تحتاج إلى تأمل.