التصنيفات
ردود فوائد مقالات

ضوابط رفع الموقوف
(مَن زاد في رواتب الصلوات أنموذجًا)

المتأمل في كتب أهل العلم في مسألة الحديث الموقوف ( ما ورد عن الصحابيللتفصيل ينظر تدريب الراوي 1/ 184) يجدهم بين مفرِط ومفرِّط!

فمنهم من رده مطلقًا كابن حزم في المحلى1/ 51! قال: الموقوف والمرسل لا تقوم بهما حجة، وكذلك مالم يروه إلا من لا يوثق بدينه وبحفظه، ولا يحل ترك ما جاء في القرآن أو صح عن رسول الله لقول صاحب أو غيره سواء كان هو راوي الحديث أو لم يكن، والمرسل هو ماكان بين أحد رواته أو بين الراوي و بين النبي من لا يُعرف ، والموقوف هو مالم يبلغ به الى النبي .

برهان بطلان الموقوف قول الله عز وجل: (لئلا يكون للناس على الله حجةٌ بعد الرسل) ، فلا حجة في أحد دون رسول الله . ولا يحل لأحد أن يضيف ذلك إلى رسول الله ، لأنه ظن وقد قال تعالى: (وإنَّ الظن لا يغني من الحق شيئاً وقال تعالی: (ولا تقفُ ما ليس لك به علم )”. المحلى1/ 51 .

ومنهم من جعل لبعضه حكم المرفوع ( ما ورد عن النبي للتفصيل ينظر تدريب الراوي 1/ 183) إذا لم يكن مما يقال بالرأي كالمغيبات وذكر الأجور والآثام، أو قوله نهينا عن كذا أو أمرنا بكذا ونحوه!

والصواب التفصيل في ذلك ؛ لأني لم أجد من أشبع هذه المسألة الدقيقة بحثًا!!

وقد بدا لي من بحثي في هذه المسألة المهمة جدًا أن الموقوف يأخذ حكم المرفوع بقيود، أهمها:

1/ ألا يكون الموقوف قد ورد مرفوعاً ولم يثبت المرفوع لشدة ضعفه أو وضعه أحيانًا!

2/ ألا يخالف حديثاً مرفوعاً صحيحاً عليه العمل عند جمهور الفقهاء.

3/ ألا يكون الصحابي المروي عنه الموقوف قد روى عن بعض من اشتهر برواية الإسرائيليات!

ولنأخذ مثالًا على بعض ذلك يكون موضحًا لغيره!

حديث ( من صلى العشاء في جماعة ، وصلى أربع ركعات قبل أن يخرج من المسجد ، كان كعدل ليلة القدر)! ضعفه الهيثمي والعراقي والشوكاني والألباني ( ينظر: السلسلة الضعيفة 5060).

ثم قال الألباني عقبه: وروي الحديث بلفظ :

“من صلى أربع رکعات خلف العشاء الآخرة ، قرأ في الركعتين الأوليين : (قل يا أيها الكافرون)، و (قل هو الله أحد) ، وفي الأخريين : (تبارك الذي بيده الملك) و (الم تنزيل)؛ كُتبن له كأربع ركعات من ليلة القدر”.

أخرجه ابن نصر في (قيام الليل)ص 60 المكتبة الأثرية ( من طريق أبي فروة عن سالم الأفطس عن سعيد بن جبير عن ابن عباس مرفوعاً .

قلت : أبو فروة ؛ اسمه يزيد بن سنان بن يزيد الجزري الرهاوي . وهو ضعيف ، وتركه النسائي .

ومن طريقه أخرجه الطبراني في الكبير .

لكن الحديث قد صح موقوفاً عن جمع من الصحابة ؛ دون قوله : (قبل أن يخرج من المسجد).

فأخرجه ابن أبي شيبة في »المصنف ۲/ ۷۲ /۱

وابن نصر أيضا عن عبدالله بن عمرو قال : (من صلى بعد العشاء الآخرة أربع رکعات ؛ كن كعِدْلِهِنَّ من ليلة القدر) .

قلت : وإسناده صحيح .

ثم أخرج ابن أبي شيبة مثله عن عائشة ، وابن مسعود ، وكعب بن ماتع ، ومجاهد ، وعبد الرحمن بن الأسود موقوفاً عليهم .

والأسانيد إليهم كلهم صحيحة باستثناء كعب ، وهي وإن كانت موقوفة ؛ فلها حكم الرفع ؛ لأنها لا تقال بالرأي ؛ كماهو ظاهر. انتهى من السلسلة الضعيفة 11 / 102 – 103.

قلتُ:

وفي كلامه رحمه الله نظر…!

لأمرين:

أحدهما: لأن الأحاديث المرفوعة الواردة في المعنى نفسه ضعيفة جداً! كما تقدم في السلسلة الضعيفة والموضوعة نفسها للألباني 5060.

فكيف يأخذ الموقوف حكم المرفوع في موضوع مهم كهذا وأجر عظيم لا يُتصور ألا يرُوى مرفوعاً من وجه صحيح عن رسول الله !!؟

ثم الذي صح هو الرواتب المعروفة! وهي ثنتا عشرة ركعة في الحديث الصحيح المعروف الذي عليه جمهور الفقهاء! وهذا هو الأمر الآخر!

فعن أم حبيبة أم المؤمنين رضي الله عنها قالت، قال رسول الله :

“مَن صَلَّى اثْنَتَيْ عَشْرَةَ رَكْعَةً في يَومٍ وَلَيْلَةٍ، بُنِيَ له بِهِنَّ بَيْتٌ في الجَنَّةِ”.

قالَتْ أُمُّ حَبِيبَةَ: فَما تَرَكْتُهُنَّ مُنْذُ سَمِعْتُهُنَّ مِن رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عليه وَسَلَّمَ.

وَقالَ عَنْبَسَةُ: فَما تَرَكْتُهُنَّ مُنْذُ سَمِعْتُهُنَّ مِن أُمِّ حَبِيبَةَ.

وَقالَ عَمْرُو بنُ أَوْسٍ: ما تَرَكْتُهُنَّ مُنْذُ سَمِعْتُهُنَّ مِن عَنْبَسَةَ.

وَقالَ النُّعْمَانُ بنُ سَالِمٍ: ما تَرَكْتُهُنَّ مُنْذُ سَمِعْتُهُنَّ مِن عَمْرِو بنِ أَوْسٍ..

صحيح مسلم 728

هذا هو المحفوظ والمأثور!

وأيضًا حديث عبدالله بن شقيق عن أم المؤمنين عائشة رضي الله عنها :

“سَأَلْتُ عَائِشَةَ عن صَلَاةِ رَسولِ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عليه وسلَّمَ؛ عن تَطَوُّعِهِ، فَقالَتْ: كانَ يُصَلِّي في بَيْتي قَبْلَ الظُّهْرِ أَرْبَعًا، ثُمَّ يَخْرُجُ فيُصَلِّي بالنَّاسِ، ثُمَّ يَدْخُلُ فيُصَلِّي رَكْعَتَيْنِ، وَكانَ يُصَلِّي بالنَّاسِ المَغْرِبَ، ثُمَّ يَدْخُلُ فيُصَلِّي رَكْعَتَيْنِ، وَيُصَلِّي بالنَّاسِ العِشَاءَ، وَيَدْخُلُ بَيْتي فيُصَلِّي رَكْعَتَيْنِ، وَكانَ يُصَلِّي مِنَ اللَّيْلِ تِسْعَ رَكَعَاتٍ، فِيهِنَّ الوِتْرُ، وَكانَ يُصَلِّي لَيْلًا طَوِيلًا قَائِمًا، وَلَيْلًا طَوِيلًا قَاعِدًا، وَكانَ إذَا قَرَأَ وَهو قَائِمٌ، رَكَعَ وَسَجَدَ وَهو قَائِمٌ، وإذَا قَرَأَ قَاعِدًا، رَكَعَ وَسَجَدَ وَهو قَاعِدٌ، وَكانَ إذَا طَلَعَ الفَجْرُ صَلَّى رَكْعَتَيْنِ.. صحيح مسلم 730.

قال النووي في شرحه على صحيح مسلم: ولاخلاف في هذا عندنا وبه قال الجمهور”.

وأما ما ذكروه مما خالف ذلك فلم يؤثر عن أحد من الأئمة المعروفين من السلف كالأئمة الأربعة وغيرهم! فيتوقف فيه! لأنها عبادة والأصل فيها التقيد بما ورد مرفوعاً صحيحًا لا غيره!

فإذا تبين ما تقدم تأكد أنْ ليس كل موقوفٍ صحيحٍ لا يُقال بالرأي يأخذ حكم المرفوع فيعمل به!

فالأمر ليس على إطلاقه أبداً! بل لابد من النظر في القيود التي ذكرتها آنفاً بعين الاعتبار.

والله أعلم.

تعليقين على “ضوابط رفع الموقوف
(مَن زاد في رواتب الصلوات أنموذجًا)”

التعليقات مغلقة.