التصنيفات
فوائد مقالات

تصحيح المفاهيم 3 (التشبه)

خاض قوم في هذا الموضوع وصادوا فيه صيد ظلماء! وخبطوا فيه خبط عشواء!

وظنوا أن ما يمارسه غير المسلم من المطعومات والمشروبات والملبوسات إذا فعله المسلم صار متشبهاً بهم، بل صار منهم! وذلك وفقًا لحديث الرسول صلى الله عليه وسلم: من تشبه بقوم فهو منهم”! رواه أبو داود (4031 وغيره،

وهو حديث صحيح صححه جمع من أهل الحديث.

ومن ثم التُبس عليهم شيء كثير، ورُمي بسهامهم خلقٌ غفير!

ومَرَدّ ذلك يرجع في الأصل إلى عدم انضباط مفهوم التشبه لديهم بصورة جلية جامعة مانعة! لا تسمح للالتباس والاشتباه!

من بديهيات علم الأصول أن الأصل في العبادات التقيد بما جاء في الكتاب وصحيح السنة! والأصل تحريم ما خالف ذلك!

أما ما سوى ذلك من أمور الناس من المباحات كالمطعومات والمشروبات والملبوسات الأصل فيها الإباحة، والتحريم يكون فيما ورد تحريمه مما استثناه الشارع الحكيم!

بعبارة أخرىفي العبادات المنع هو الأصل

وفيما سوى ذلك من أمور الناس فالإباحة هي الأصل

أو قل إن شئت أن الأصل في العبادات التحريم!

والأصل فيما سوى ذلك الإباحة!

ففي العبادات التحريم أصل متمثلًا في محدثات الأمور ( البدع)!

وفي غيرها فرع متمثلًا بالمستثنيات من المباحات.

فإذا تقرر ما تقدم فليُعلم بأن ما يتشارك فيه الناس عامةً مؤمنهم وكافرهم! وتُعورف عليه بينهم على أنه من عاداتهم في المطعم والملبس والمشرب فاعتادوه واستوَوا في ذلك؛ لكونه مما تشاركت فيه البشرية! فلا يُعد إن فعله المسلم تشبهاً بغيره؛ لأنه مما يستوى فيه البشر جميعًا

وذلك كبعض عادات الطعام والشراب وطرائقها ، وبعض اللباس والزينة وأنواعهافيما لم يختص به دين أو شعب من غير المسلمين.

أما ما اختُصوا به من ذلك فعُرفوا به حتى صار شعارًا لهم يُعرفون به دون سواهم! فهذا ومثله إن فعله مسلم عُد متشبهاً بغير المسلمين! فيقع في المحظور ووعيد النصوص الصحيحة الصريحة التي حذرت من هذا الصنيع!

ولنتذكر أن كثيرًا مما نلبسه اليوم هو من صناعة غير المسلمين وتصميمهم من أنواع الشِّعار ( الملابس الداخلية )والدِّثار ( الملابس الخارجية)! للرجال والنساء على حد سواء! فيلبسه جميع الناس لاحتياجهم إليه، فهذا ونحوه لا يقال فيه تشبه بالقوم!

ومثل ذلك يُقال عن ضابط تشبه الرجال بالنساء وتشبه النساء بالرجال! على ما ورد من الوعيد الذي صح في السنة من حديث عبدالله بن عباس رضي الله عنهما في صحيح البخاري (5885) قال : “لعن رسول الله صلى الله عليه وسلم المتشبهين من الرجال بالنساء، والمتشبهات من النساء بالرجال”.

فما اختُصت به النساء لا يجوز للرجال في الملبس والهيأة! ومن فعله منهم عُدَّ متشبهاً بهن وأصابه اللعن عياذاً بالله، وكذا العكس فما اختُص به الرجال في الملبس والهيأة لا يجوز للنساء، ومَن وقعت فيه عُدت متشبهة بالرجال ووقعت في الوعيد!

وإني لناقل نصاً عن شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله يشكل فائدةً عظيمة، وتأصيلاً جميلاً، وتصوراً سليمًا، وتتمةً مهمة لما سبق فيما يخص التشبه بصورة عامة، يمكننا تأطير موضوع ( التشبه) به! ذلك ما ذكره في كتابه الفذ( اقتضاء الصراط المستقيم مخالفة أصحاب الجحيم ص 176- 177، يقول:ومما يوضح ذلك: أن كل ما جاء من التشبه بهم إنما كان في صدر الهجرة، ثم نُسخ ذلك؛ لأن اليهود إذ ذاك كانوا لا يُميَّزون عن المسلمين لا في شعور ولا في لباس! لا بعلامة ولا غيرها.

ثم إنه ثبت بعد ذلك في الكتاب والسنة والإجماع الذي كمُل ظهوره في زمن عمر بن الخطاب رضي الله عنه ما شرعه الله من مخالفة الكافرين، ومفارقتهم في الشعار والهدي.

وسبب ذلك: أن المخالفة لهم لا تكون إلا بعد ظهور الدين وعُلّوه، كالجهاد وإلزامهم بالجزية والصغار، فلما كان المسلمون في أول الأمر ضعفاء لم يُشرع لهم المخالفة لهم ، فلما كمُل الدين وظهر وعلا شُرع ذلك.

ومثل ذلك اليوم: لو أن المسلم بدار حرب أو دار كفر غير حرب! لم يكن مأموراً بالمخالفة لهم في الهدي الظاهر؛ لما عليه في ذلك من الضرر. بل قد يُستحب للرجل أو يجب عليه أن يشاركهم أحيانًا في هديهم الظاهر! إذا كان في ذلك مصلحة دينية ، من دعوتهم إلى الدين ، والاطلاع على باطن أمرهم ؛ لإخبار المسلمين بذلك ، أو دفع ضررهم عن المسلمين ، ونحو ذلك من المقاصد الصالحة.

فأما في دار الإسلام والهجرة التي أعز الله فيها دينه، وجعل على الكافرين بها الصغار والجزية ، ففيها شُرعت المخالفة ، وإذا ظهرت الموافقة والمخالفة لهم باختلاف الزمان ظهرت حقيقة الأحاديث في هذا انتهى كلامه رحمه الله.

وليُلاحظ أنه ذكر ( الرجل) ولم يقل ( المرأة)! فلا يأخذن أحد هذا الكلام فيتهاون في حجاب المسلمة في بلاد غير المسلمين بالحجة المذكورة! ولذلك كان دقيقًا رحمه الله في لفظه! بل الواجب على المرأة والرجل المسلمين على حد سواء ألا يهاجروا إلى بلاد الكفر إذا لم يتمكنوا من إقامة فروضهم، أو ما قد يصيبهم من أذى بسبب دينهم!

والحجاب فرض! فمن لم تتمكن منه في بلاد ما أو قد يترتب عليها أذىً بسببه فلا يُشرع لها الهجرة إليها أصلًا!

هذا، والله الموفق لا رب سواه.

6 تعليقات على “تصحيح المفاهيم 3 (التشبه)”

ما شاء الله ، هذه المقالات التي يحتاجها المجتمع الإسلامي في هذه الأوقات، جهد مشكور🌹🌹🌹🌹

التعليقات مغلقة.