التصنيفات
خواطر فوائد لغويات مقالات

العام والسنة

تكلم كثيرون حول هذا الموضوع في القرآن الكريم خاصة ، وفي غيره عامة!

وتمحور كلامهم حول استعمال لفظ (العام) في الدلالة على الزمان في الخير ! و( السنة) في الدلالة على الزمان في الشر!

واستدلوا ببعض الآيات لدعم هذا الاتجاه!

من ذلك قوله تعالى: ﴿وَلَقَد أَرسَلنا نوحًا إِلى قَومِهِ فَلَبِثَ فيهِم أَلفَ سَنَةٍ إِلّا خَمسينَ عامًا فَأَخَذَهُمُ الطّوفانُ وَهُم ظالِمونَ﴾ [العنكبوت: ١٤]

وقوله :﴿وَلَتَجِدَنَّهُم أَحرَصَ النّاسِ عَلى حَياةٍ وَمِنَ الَّذينَ أَشرَكوا يَوَدُّ أَحَدُهُم لَو يُعَمَّرُ أَلفَ سَنَةٍ وَما هُوَ بِمُزَحزِحِهِ مِنَ العَذابِ أَن يُعَمَّرَ وَاللَّهُ بَصيرٌ بِما يَعمَلونَ﴾ [البقرة: ٩٦]

وقوله على لسان يوسف :﴿قالَ تَزرَعونَ سَبعَ سِنينَ دَأَبًا فَما حَصَدتُم فَذَروهُ في سُنبُلِهِ إِلّا قَليلًا مِمّا تَأكُلونَ﴾ [يوسف: ٤٧]، مع أن الآية هنا في سياق الكلام على سنين الخير والوفرة لا القحط والجوع!

واستدل بعضهم بقوله سبحانه:﴿وَيَستَعجِلونَكَ بِالعَذابِ وَلَن يُخلِفَ اللَّهُ وَعدَهُ وَإِنَّ يَومًا عِندَ رَبِّكَ كَأَلفِ سَنَةٍ مِمّا تَعُدّونَ﴾ [الحج: ٤٧]

وعن استعمال (العام) في الخير استدلوا بقوله تعالى حاكياً عن تأويل يوسف الصديق لرؤيا الملك في عام الغوث:﴿ثُمَّ يَأتي مِن بَعدِ ذلِكَ عامٌ فيهِ يُغاثُ النّاسُ وَفيهِ يَعصِرونَ﴾ [يوسف: ٤٩].

وهذا الذي زعموه غير صحيح ولا دليل عليه لا في اللغة ولا في القرآن!

والذي يتجه لي في هذا بناءً على مافي كتاب الله تعالى الذي حفظ لنا لغتنا العربية الجميلة أن كلا اللفظين ( العام/ السنة) لهما دلالة واحدة في الزمن الذي تدلان عليه وهو اثنا عشر شهراً! ولا تعلق للخير أو الشر في استعمالهما بسبب!

فقد يتعاوران وفقاً لما يراه المتكلم حسبما يقتضيه المقام، وسياق الكلام! بل ورد العكس تمامًا …

فقد جاء لفظ ( العام ) في القرآن الكريم كلفظ ( السنة) في الكلام في سياق الخير والشر سواء بسواء!

ففي سياق الموت يقول تعالى:﴿أَو كَالَّذي مَرَّ عَلى قَريَةٍ وَهِيَ خاوِيَةٌ عَلى عُروشِها قالَ أَنّى يُحيي هذِهِ اللَّهُ بَعدَ مَوتِها فَأَماتَهُ اللَّهُ مِائَةَ عامٍ ثُمَّ بَعَثَهُ قالَ كَم لَبِثتَ قالَ لَبِثتُ يَومًا أَو بَعضَ يَومٍ قالَ بَل لَبِثتَ مِائَةَ عامٍ فَانظُر إِلى طَعامِكَ وَشَرابِكَ لَم يَتَسَنَّه وَانظُر إِلى حِمارِكَ وَلِنَجعَلَكَ آيَةً لِلنّاسِ وَانظُر إِلَى العِظامِ كَيفَ نُنشِزُها ثُمَّ نَكسوها لَحمًا فَلَمّا تَبَيَّنَ لَهُ قالَ أَعلَمُ أَنَّ اللَّهَ عَلى كُلِّ شَيءٍ قَديرٌ﴾ [البقرة: ٢٥٩]

وقوله جل من قائل عن النسيء وهو من الكفر!:

﴿إِنَّمَا النَّسيءُ زِيادَةٌ فِي الكُفرِ يُضَلُّ بِهِ الَّذينَ كَفَروا يُحِلّونَهُ عامًا وَيُحَرِّمونَهُ عامًا لِيُواطِئوا عِدَّةَ ما حَرَّمَ اللَّهُ فَيُحِلّوا ما حَرَّمَ اللَّهُ زُيِّنَ لَهُم سوءُ أَعمالِهِم وَاللَّهُ لا يَهدِي القَومَ الكافِرينَ﴾ [التوبة: ٣٧]

وقوله سبحانه في معرض الفتنة:

﴿أَوَلا يَرَونَ أَنَّهُم يُفتَنونَ في كُلِّ عامٍ مَرَّةً أَو مَرَّتَينِ ثُمَّ لا يَتوبونَ وَلا هُم يَذَّكَّرونَ﴾ [التوبة: ١٢٦]

وفي سياق الخير نرى استعمال لفظ ( السنة) كقوله تعالى:

﴿يُدَبِّرُ الأَمرَ مِنَ السَّماءِ إِلَى الأَرضِ ثُمَّ يَعرُجُ إِلَيهِ في يَومٍ كانَ مِقدارُهُ أَلفَ سَنَةٍ مِمّا تَعُدّونَ﴾ [السجدة: ٥]

وقوله في سياق شكر النعم:

﴿وَوَصَّينَا الإِنسانَ بِوالِدَيهِ إِحسانًا حَمَلَتهُ أُمُّهُ كُرهًا وَوَضَعَتهُ كُرهًا وَحَملُهُ وَفِصالُهُ ثَلاثونَ شَهرًا حَتّى إِذا بَلَغَ أَشُدَّهُ وَبَلَغَ أَربَعينَ سَنَةً قالَ رَبِّ أَوزِعني أَن أَشكُرَ نِعمَتَكَ الَّتي أَنعَمتَ عَلَيَّ وَعَلى والِدَيَّ وَأَن أَعمَلَ صالِحًا تَرضاهُ وَأَصلِح لي في ذُرِّيَّتي إِنّي تُبتُ إِلَيكَ وَإِنّي مِنَ المُسلِمينَ﴾ [الأحقاف: ١٥]

وقوله في عروج الملائكة:

﴿تَعرُجُ المَلائِكَةُ وَالرّوحُ إِلَيهِ في يَومٍ كانَ مِقدارُهُ خَمسينَ أَلفَ سَنَةٍ﴾ [المعارج: ٤]

مما سبق يتضح وهن ما زعموه، وضعف ما ادعوه! وأن الأمر سيان! واللغة أوسع من ذلك بكثير.…

والحمد لله رب العالمين.

8 تعليقات على “العام والسنة”

مقال رائع جدا. ومعلومات حول ما يتعلق في هذا الموضوع كثيرأ من البشر يجهلون. جازاك الله خيرًا. احلى تحية لكم اخي الحبيب ابو عبدالله

التعليقات مغلقة.