التصنيفات
مقالات

الزلازل بين الابتلاء والجزاء…!

كثر الكلام واللغط أحيانًا والجدل أحيانًا أخرى حول الزلازل التي وقعت في تركيا وسوريا! فرج الله عن الأحياء، وتقبل من مات منهم في الشهداء، وعجل لمن أصيب منهم بالشفاء.

وصار كل يدلي بدلوه بين الدلاء، من غير علم أو بعلم ناقص في بعض الآراء!

فمِن رابط رَبط تلك الزلازل بمعاصي العباد! وأنها نتيجة حتمية لذلك! مستدلين بآيات وضعوها في غير موضعها!

ومِن غالٍ فيما يسمى بـ( نظرية المؤامرة) حتى جعل كل ما يحدث على الارض حتى الزلزال المشار إليه من صنع أعداء الله وأعداء المسلمين!

وصولًا إلى من جعل هذه المصائب من النعم التي ينعم الله بها على البشر لتجنبهم ما هو أشد! فجعلوه تنفساً اضطراريًا للأرض! وما إلى ذلك من خبط العشواء، وصيد الظلماء!

ولست هنا في هذه العجالة أريد أن أحلل مثل هذه الظواهر الأرضية، فهذا مجال له أصحابه وأهله بقدر ما أريد أن أضع الأمر في نصابه، وأنزله منزله! بلا غلو أو تفريط.

ابتداء ينبغي على العاقل أن يعلم أن هذه الزلازل آية من آيات الله يرسلها وقت يشاء وكيف يشاء وأين يشاء بحكمته ورحمته.

التفسير العلمي لهذه الظاهرة صحيح ويؤخذ بالاعتبار، بل لابد من الإفادة من الخرائط الزلزالية الكاشفة عن مناطق نشاطها في العمران. بحيث يتناسب مع هذه الظاهرة.

ثم بعد ذلك علينا أن نفرق بين من يرسل الله إليهم هذه الآية!

فإن كانوا مسلمين فهي ابتلاء يدعو إلى التفكر والتأمل والمراجعة! كما ابتلى الله أنبياءه من آدم إلى نبينا محمد صلى الله عليهم وسلم.

وهنا أذكر بمحنة أيوب وسجن يوسف عليهم السلام والُمثُل كثيرة

وأما إن كانوا غير مسلمين فهو جزاء لهم على ما قدمت أيديهم يدعو إلى العبرة والاستبصار! كما حكى ذلك القرآن في أكثر من قصة من قصص الأمم التي كفرت ربها، فكانت تأتي تلكم العبارة ﴿إِنَّ في ذلِكَ لَآيَةً وَما كانَ أَكثَرُهُم مُؤمِنينَ﴾ [الشعراء: ٨] و :﴿إِنَّ في ذلِكَ لَعِبرَةً لِمَن يَخشى﴾ [النازعات: ٢٦].

بل قد جعل الله الرجفة وهي ( الزلزلة الشديدة) كما في غالب التفاسير عقوبةً لمن كذب ما جاءت به رسل الله، من ذلك ما جاء في عقوبة قوم شعيب عليه السلام عندما كذبه قومه: ﴿وَإِلى مَديَنَ أَخاهُم شُعَيبًا فَقالَ يا قَومِ اعبُدُوا اللَّهَ وَارجُوا اليَومَ الآخِرَ وَلا تَعثَوا فِي الأَرضِ مُفسِدينَ ۝ فَكَذَّبوهُ فَأَخَذَتهُمُ الرَّجفَةُ فَأَصبَحوا في دارِهِم جاثِمينَ﴾ [العنكبوت: ٣٦٣٧]. إلى أن يبين الله سبحانه صوراً عديدة من العذاب أوقعها على من كفروا به وبرسله، فقال : ﴿وَعادًا وَثَمودَ وَقَد تَبَيَّنَ لَكُم مِن مَساكِنِهِم وَزَيَّنَ لَهُمُ الشَّيطانُ أَعمالَهُم فَصَدَّهُم عَنِ السَّبيلِ وَكانوا مُستَبصِرينَ ۝ وَقارونَ وَفِرعَونَ وَهامانَ وَلَقَد جاءَهُم موسى بِالبَيِّناتِ فَاستَكبَروا فِي الأَرضِ وَما كانوا سابِقينَ ۝ فَكُلًّا أَخَذنا بِذَنبِهِ فَمِنهُم مَن أَرسَلنا عَلَيهِ حاصِبًا وَمِنهُم مَن أَخَذَتهُ الصَّيحَةُ وَمِنهُم مَن خَسَفنا بِهِ الأَرضَ وَمِنهُم مَن أَغرَقنا وَما كانَ اللَّهُ لِيَظلِمَهُم وَلكِن كانوا أَنفُسَهُم يَظلِمونَ﴾ [العنكبوت: ٣٨٤٠].

أما المؤمن إذا ابتلي بالبأساء والضراء فصبر كان خيراً له وكان جزاؤه الجنة! وهي غاية مبتغاه.

﴿أَم حَسِبتُم أَن تَدخُلُوا الجَنَّةَ وَلَمّا يَأتِكُم مَثَلُ الَّذينَ خَلَوا مِن قَبلِكُم مَسَّتهُمُ البَأساءُ وَالضَّرّاءُ وَزُلزِلوا حَتّى يَقولَ الرَّسولُ وَالَّذينَ آمَنوا مَعَهُ مَتى نَصرُ اللَّهِ أَلا إِنَّ نَصرَ اللَّهِ قَريبٌ﴾ [البقرة: ٢١٤].

وجاء في مسند أحمد 23924 عن صهيب قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : عجبت من قضاء الله للمؤمن، إن أمر المؤمن كله خير، وليس ذلك إلا للمؤمن، إن أصابته سراء فشكر كان خيرا له، وإن أصابته ضراء فصبر كان خيرا له . ورواه مسلم ( 2999 ) والدارمي ( 2819 ) وغيرهم.

وفيما يخص الزلازل فقد صح عن رسول الله أن من يموت في الهدم من المسلمين فهو شهيد! وكلنا يعلم مصير الشهداء عند ربهم.

ففي صحيح البخاري 2829 عن أبي هريرة رضي الله عنه، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : الشهداء خمسة : المطعون، والمبطون ، والغَرِق، وصاحب الهدم ، والشهيد في سبيل الله . وينظر: صحيح البخاري ( 652, 720, 5733 ) صحيح مسلم ( 1914, 1915 ) سنن الترمذي ( 1063 ) سنن ابن ماجه ( 2804 ) موطأ مالك ( 346 ) مسند أحمد ( 8092, 8305, 9695, 10762, 10897 ).

وقد يقول قائل ألم يتعوذ الرسول فيما صح عنه من الموت هدماً؟! كما في سنن النسائي 5531 عن أبي اليسر قال : كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول : اللهم إني أعوذ بك من التردي والهدم، والغرق والحريق، وأعوذ بك أن يتخبطني الشيطان عند الموت، وأعوذ بك أن أموت في سبيلك مدبرا، وأعوذ بك أن أموت لديغا . وينظر: سنن أبي داود ( 1552 ) سنن النسائي ( 5532, 5533 ) مسند أحمد ( 15523, 15524 ).

والجواب عنه: بلى، صحيح! فهي ميتة شنيعة شَرَعَ الشارع للمسلم التعوذ منها؛ لأنها إن وقعت في حقه فهي ابتلاء! ولا يخفى أن من سعادة المؤمن أن يجنب البلاء! كما في الحديث الصحيح في سنن أبي داود 4263 عن المقداد بن الأسود قال : ايم الله، لقد سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول : إن السعيد لَمَن جُنِّبَ الفتن، إن السعيد لَمَن جُنب الفتن، إن السعيد لمن جنب الفتن، ولَمَن ابتُلي فصبر فواهًا .

بل قد اتسعت رحمة الله وتجلى لطفه بعباده فجعل من ابتلي نفسه سعيداً إذا صبر باعتبار عاقبته وهي الجزاء الأوفى والثواب الأسنى! كما أشارت إليه صحاح الأحاديث التي قد مضى بعضها.

فهذه الميتات إن وقعت فهي شهادة للمسلم وتكفير لمجمل خطاياه كي يُنجَّى من عذاب النار، كما في الحديث الصحيح، قال رسول الله : أمتي هذه أمة مرحومة؛ ليس عليها عذاب في الآخرة ، عذابها في الدنيا: الفتن، والزلازل، والقتل”. رواه الروياني في مسنده برقم 505 ، والبيهقي في الجامع لشعب الإيمان 9342 بإسناد صحيح ، ورواه أحمد برقم 19678 وضعفه محققوه! ورواه أبو داوود 4278، والحاكم 4/ 444 وغيرهم بأسانيد فيها ضعف! وصححه الألباني في هداية الرواة 5303، والصحيحة 959.

ومعنى الحديث محمول على التغليب لا على العموم! فقد وردت النصوص في عذاب النار لأهل الكبائر من الأمة، ولا بد من فهم هذا الحديث مجموعاً إلى تلك النصوص.

هذا باختصار شديد خاص للمسلم إن ابتلي بمثل هذه الزلازل ونحوها من الفتن كالقتل والبراكين وغيرها.

فهو ابتلاء عاقبته خير له إن صبر واحتسب.

وأما إن وقع على غير المسلمين فهو جزاء على ما اقترفته أيديهم، وما اجترحوه من الموبقات. وعليهم ولمثلهم يُتمثل بقوله تعالى: ﴿وَما مَنَعَنا أَن نُرسِلَ بِالآياتِ إِلّا أَن كَذَّبَ بِهَا الأَوَّلونَ وَآتَينا ثَمودَ النّاقَةَ مُبصِرَةً فَظَلَموا بِها وَما نُرسِلُ بِالآياتِ إِلّا تَخويفًا﴾ [الإسراء: ٥٩].

فسياق الآية يتحدث عَمَّن كَذَّب بالله ورسله! فلا يُحمل بل لا يليق أن يُستشهد به على المسلم الموحِّد الذي آمن بالله ورسله.

وأما أهل الغلو في أمر المؤامرة! فصحيح أن أهل الكفر والضلال لا يألون جهداً في السعي في الفساد في الأرض والإفساد فيها بإهلاك الحرث والنسل لو استطاعوا ذلك! ﴿وَإِذا تَوَلّى سَعى فِي الأَرضِ لِيُفسِدَ فيها وَيُهلِكَ الحَرثَ وَالنَّسلَ وَاللَّهُ لا يُحِبُّ الفَسادَ﴾ [البقرة: ٢٠٥].

ولكن في مثل هذه الظواهر لايخفى على العاقل أن هذا محال أن يقع منهم؛ لعدم قدرة البشر في معرفة آثاره والسيطرة على نتائجه، بَلْه مافيه من ضياع مصالحهم في غالبه!

والغلوفي فكرة المؤامرة تجعل من المفسدين رباً للعالم! وهذا محال!

فالزلازل مذكورة في القرآن والسنة، وأن كثرتها من علامات الساعة كما في صحيح البخاريكتاب الاستسقاءباب ما قيل في الزلازل والآيات. 1036 عن أبي هريرة ، قال : قال النبي صلى الله عليه وسلم : لا تقوم الساعة حتى يقبض العلم، وتكثر الزلازل، ويتقارب الزمان، وتظهر الفتن، ويكثر الهرج، وهو القتل القتل، حتى يكثر فيكم المال فيفيض . وينظر: صحيح البخاري ( 85, 1412, 2222, 2476, 6037, 7061, 7121 ) صحيح مسلم ( 155, 157 ) سنن أبي داود ( 4255 ) سنن الترمذي ( 2233 ) سنن ابن ماجه ( 4047, 4052, 4078 ) مسند أحمد ( 7186, 7269, 7488, 7549, 7679, 7872, 7903, 8135, 9395, 9897, 10724, 10788, 10792, 10862, 10863, 10943, 10944 ).

وكل ذلك لا يقع إلا بتقدير الباري وأفضل أجهزة العالم أثبتت فشلها في كشف الزلازل قبل وقوعها! وكفى بذلك صغارًا أمام قدرة الله وأقداره سبحانه! وليعلم الناس أنهم ما أوتوا من العلم إلا قليلًا.

وأما ما يقال حول مشروع ( هارب) فهو مشروع يُستخدم للكشف عن النفط والمعادن والغاز، وليس من مصلحتهم استخدامه لأغراض أخرى. وحتى الحرب البيولوجية حرموها بعدما علموا أنها خطيرة عليهم قبل غيرهم! وليس حباً للبشرية ولكن حباً لمصالحهم!

هذا، والله الموفق للصواب.

4 تعليقات على “الزلازل بين الابتلاء والجزاء…!”

التعليقات مغلقة.