التصنيفات
لغويات مقالات

العربية بين القومية والعالمية

كثيرأ ما يثار هذا الموضوع بين الفينة والأخرى! فمن قائل بأن قومية اللغة هي هوية لقوم ما ونحو ذلك.

وقد تخرج اللغة إلى العالمية بوصف ما وظروف من الصراع اللغوي المعروفة باللسانيات!

ولكن العجيب أن غالب الذين يبحثون في أمر العربية تحديدًا لا يصدرون عن وعي لغوي سليم، فهؤلاء يتعامون بقصد أو بلا قصد عن طبيعة اللغة العربية وخصوصيتها وقدسيتها!

ويغيب عنهم أن ليس من الضرورة ما ينطبق على غير العربية من اللغات أن ينطبق عليها.

على الباحث في مثل هذه المسائل المهمة ألا يفصلها عن السياق التاريخي!

فاللغة العربية قبل الإسلام غير اللغة العربية بعد الإسلام!

فالعربية بعد نزول القرآن الكريم بها على النبي العربي محمد ﷺ، أضحت لغة الدين وأحكامه وكل ما يتعلق به!

وحيث إن الإسلام ونبيه أرسل للناس كافة إنساً وجناً! ﴿وَما أَرسَلناكَ إِلّا كافَّةً لِلنّاسِ بَشيرًا وَنَذيرًا وَلكِنَّ أَكثَرَ النّاسِ لا يَعلَمونَ﴾ [سبأ: ٢٨]

فهذا ملحظ خصوصية للغة العربية وهي لغة المبلغ عن ربه رسول الله

ومن هذه الحيثية خرجت اللغة العربية من كونها لغةً قوم من الناس هم العرب! وصارت لغةً عالمية تعني كل من ينتسب لهذا الدين أو لم ينتسب ممن يتعلمها ويتحرك بها لسانه!

والعربية بهذا المفهوم اللساني تأبى القومية بل تضيق عليها بل لا يليق ذلك بها بل هي فوقه! بما اختاره الله سبحانه لها وشرفها وكرمها به عن سائر لغات الأرض!

فحصر النسبة إلى العربية بقولنا ( عربي) بـ(العرب) عرقياً! غير صحيح، وغير واقعي!

فالعربي نسباً اليوم فسدت سليقته ولا يكاد يحسن لغته! ويجلس جنبًا إلى جنب مع غير العربي نسباً بل غير المسلم ليتعلم لغته العربية! وهذا واقع معروف.

ومن هذا المنطلق يفوز من جعل العربية عربية اللسان! فكل من تكلم بالعربية عربي من حيث النظرة العالمية لهذه اللغة العظيمة!

ومن ثم نفهم من نسب إليهم القول ( من تكلم بالعربية فهو عربي)! كابن خلدون وغيره بأنهم لم يجانبهم الصواب أبداً، بل على العكس تمامًا كلامهم ينسجم مع الواقع التاريخي والسياق اللغوي للغة العربية.

أما من الوجهة القدسية للغة العربية فهذا موضوع آخر لنا وقفة معه لتبيان مدى تقصير المسلمين فيه، والإثم الذي يترتب عليهم بسببه! حيث لم يجعلوها لغة التواصل والتعلم لجميع المسلمين عوضًا عن الإنجليزية مثلاً!

وخلاصة القول

العربية بالواقع والتاريخ لغة عالمية! لا تخص جنساً من الناس دون غيرهم!

فمن تكلم بها وأتقنها فهو عربي!

فكل مسلم لابد أن يكون عربياً ؛ لأن القرآن عربي والسنة عربية ولا تستقيم له صلاة بغير لغة القرآن! ولا فهم لشرائع الإسلام بغير العربية!

أما وصف العربي فليس بالضرورة أن يكون على المسلم فقط! بل يعمه ويعم النصراني واليهودي والبوذي الخ فنجد كثيراً من الروس والصينيين واليابانيين والكوريين والأوروبيين وغيرهم يتقنون العربية ويتحدثون بها كأي لغة أخرى!

فهؤلاء عرب اللسان

فالعربية بوتقة انصهرت فيها الألسن

كما أن الإسلام بوتقة انصهرت فيها الأنساب!

فأكرمكم في مقام اللغة أكثركم إتقاناً لها.

وأكرمكم في مقام الدين أتقاكم لله!

ولا تجافي أو تعارض بين الأمرين!

ففي مقام اللغة قد نجد غير مسلم يحب العربية بل يؤلف فيها المؤلفات وينافح عنها ويجلها! ونجد مسلماً ثاني عطفه عن العربية ولا يكاد يقيم جملة فيها بله صلاته! أقول في مقام الانتماء اللغوي يكون ذلك غير المسلم أكثر عربية وانتماء لها من ذلك المسلم الجاهل بلغة دينه!

والله يهدي من يشاء.