التصنيفات
فوائد مقالات

تصحيح المفاهيم1
(البدعة)

تخبط المتخبطون في مفهوم البدعة في الشرع.

ومرد ذلك يعود إلى عدم وجود تصور واضح للبدعة لديهم!

فمن مسرف في التبديع

إلى مقلِّد فيه يردد ما يقوله مُقَلَّدُه بلا تفكير !

مع أن الأمر أسهل مما يتوقع هؤلاء بكثير!

ولكن بعضهم يستهويه تضييق الواسع!

وبعضهم بالضد يتفنن في تمييع الأمور حتى خرجوا بلا دين! عياذاً بالله.

وبينهما جماهير مقلدة لا تحسن سواه.

ولقد نظرت في نصوص الشرع فرأيتُ الأمر أوضحَ مما يتوقعه بعضهم!

وهذا ليس بعجيب أو غريب! فالشارع الحكيم الكريم يسَّر الدين وهكذا أراده سبحانه. ﴿يُريدُ اللَّهُ بِكُمُ اليُسرَ وَلا يُريدُ بِكُمُ العُسرَ [سورة البقرة: ١٨٥].

وعند النظر في مفهوم ( البدعة) وجدتُ أن مدار الأمر كله على حديث متفق عليه، ذلكم هو حديث أم المؤمنين عائشة رضي الله عنها من قوله ﷺ:مَن أحْدَثَ في أمْرِنا هذا ما ليس منه فهو رَدٌّ“.

أخرجه البخاري (2697 ومسلم (1718).

وفسره الحديث الصحيح الآخر المشهور وهو قوله ﷺ:عليكم بسنتي وسُنَّةِ الخُلَفَاءِ الرَّاشِدِينَ المَهْدِييْنَ مِنْ بَعْدِي ، تَمَسَّكُوا بها، وعَضُّوا عليها بالنَّوَاجِذِ ،وإيَّاكُم ومُحْدَثَاتِ الأمورِ؛ فإِنَّ كلَّ بدعةٍ ضلالةٌ..”.

أخرجه أبو داود (4607 والترمذي (2676 وابن ماجه (42 وأحمد (17145) مطولاً.

فتفسير المحدثات التي تكون بدعاً في الدين ما ورد في الحديث الأول: ( من أحدثما ليس منه) وعبارة ( ما ليس منه) بينة لكل ذي عقل وعلم! وهي تعني بوضوح أن المحدَثة التي تكون بدعة هي التي ليست من الدين في شيء! فكل مَن جاء بطريقة تخالف الشرع خارجة عنه لا تمت إليه بسبب فهي تلك!

وهذا أصل في مفهوم البدعة، ويتفرع منه فروع لا حصر لها إن أحسنَّا ضبط ضابطها بلا إفراط أو تفريط!

فكل ما أحدثه الناس من أمور ليست من الشرع فهي البدعة بالمفهوم الشرعي! وأما إن كان ما أُحدِث له أصل في الدين فهو إن كان بدعةً فـ(نِعمَت البدعة) كما قال عمر بن الخطاب رضي الله عنه عندما أمر أُبيَّ بنَ كعبٍ أن يقومَ بالمسلمين في شهرِ رمضانَ ، فخرج عمرُ والنَّاسُ يُصلُّون بصلاةِ قارئِهم ، فقال :نِعمت البِدعةُ هذه“. حسَّن إسناده ابن حجر في تلخيص الحبير 2/ 515.

فالاجتماع في الصلاة جماعةً هو من الدين؛ ولذلك لم ينكر أحد على الخليفة الراشدي المهدي، وهكذا ظل الحال في قيام رمضان إلى يومنا هذا.

وأضرب مُثُلاً على فروع من الأصل الذي ذكرت؛ لعلها تكون سبيلًا للرشد.

اجتماع الناس للتعزية أمر محدث لا أصل له في الشرع! ولذلك يُعد بدعةً. فلم يكن يفعله الرسول ولا أصحابه من بعده! ولم يرد في الشرع ما يؤيده! والذي في الشرع هو مشروعية التعزية وحسب دون الاجتماع عليها وصنع الطعام وتقديم الأشربة ثلاثة أيام! فهذا أمر حادث ليس في دين الله؛ ولذلك يصح أن نَسِمَه بالبدعة. فضلًا عن المفاسد التي رأيتها تترتب على مثل هذا الفعل المحدث كإضاعة المال والقيل والقال وتكليف أهل الميت بأعباء هم أغنى الناس عنها، والأصل في الدين أن يصنع الناس لهم الطعام لا أن يصنعوه لهمفقد أتاهم ما يشغلهمكما ثبت في حديث آل جعفر! الذي رواه البغوي في شرح السنة بإسناد صحيح كما قال محققه الشيخ شعيب الأرناؤوط رحمه الله برقم 1552،ورواه ابن ماجه وغيره، وصححه غير واحد من أهل العلم.

مثال آخرما يتداوله الناس من عبارات وتحيات في المناسبات والأعياد والصباح والمساء من طيب القول هي من العادات التي سكت عنها الشرع لكونها لاتخالف أصلاً فيه! بل على الضد تمامًا فالكلمة الطيبة صدقة، وَوُصِفَ المتقون في كتاب الله بأنهم ﴿وَهُدوا إِلَى الطَّيِّبِ مِنَ القَولِ وَهُدوا إِلى صِراطِ الحَميدِ﴾ [الحج: ٢٤]. وعن أبي هريرة رضي الله عنه قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم :كل سلامى من الناس عليه صدقة كل يوم تطلع فيه الشمس ؛ يعدل بين الاثنين صدقة، ويعين الرجل على دابته فيحمل عليها أو يرفع عليها متاعه صدقة، والكلمة الطيبة صدقة، وكل خطوة يخطوها إلى الصلاة صدقة، ويميط الأذى عن الطريق صدقة “. صحيح البخاري ( 2707, 2891 صحيح مسلم ( 1009 إلى غير ذلك من نصوص في الكتاب والسنة، فمثل هذه العبارات كـ(صباح الخير ومساء الخير وطاب صباحك ووقتك وبارك الله جمعتك تقبل الله منك) ونحوها من عبارات وأدعية اعتادها الناس! فهذه لا يصح أن يقال عنها بدعة! ولا يصدر هذا إلا من قِبَل مَن أُشكِل عليه ضابط البدعة في الدين فصار يخبط خبط عشواء، ويصيد صيد ظلماء! عافانا الله.

ومثله تقبيل يد الوالدين وأهل العلم أو رؤوسهم، فهذه عادات لا تخالف الشرع لكونها من عادات الناس التي لا تخالف شرعاً، بله ما فيها من تقدير الكبير واحترامه وإجلاله وبر الوالدين ونحو ذلك.

وقد تقعدت قاعدة في الدين بأن ( العادة مُحكَّمة) وهذا محمول كما هو معلوم على العادات التي لا تخالف الشرع كما بينت سابقًا.

وعلى نحو ما ذكرت لك قس ما شئتَ من الفروع تُهدَ إلى كشف إشكال هذا الباب الكبير

والله يهدي من يشاء إلى صراط مستقيم.