التصنيفات
خواطر مقالات

تصحيح المفاهيم 2 (الصبر)

شاع لدى الناس تصور مضطرب لمفهوم الصبر!

واختلطت لديهم الصور حتى تشوش المفهوم وداخله ما ليس منه في شيء!

ولعل من نافلة القول ذكر ثواب الصبر والصابرين والحث عليه في نصوص الكتاب والسنة! فهذا معلوم للجميع.

ولكن المهم هنا معرفة ما الصبر؟ الذي يدخل فيه ذلك الثواب وذلك الجزاء للصابرين! ثم من هو الصابر على الحقيقة؟ الذي يستحق جزاء الصابرين.

عند النظر في حدود الصبر وجدتُ أن الصبر في حقيقته يكون في الأمور التي لا يستطيع المرء لها دفعاً، ولا يملك لها صرفًا.

وهنا ينبغي للعاقل أن يفرق بين ماله قدرة على تغييره وما ليس كذلك من الأمور القدرية!

فكل ما مكَّنك الله سبحانه من اتخاذ القرار بشأنه وجعل لك في ذلك الخيار! فأنت لست بمضطرٍلأن تبقى تحته جاثماً على صدرك! ثم تزعم أن ذلك صبر منك وأنك من الصابرين!

وأما ما كان قضاءً مبرماً، وقدراً محكمًا! لا تستطيع عنه تحويلاً، ولا له تبديلاًفعندئذٍ يكون صبرك عليه صبراً، وتكونوالحال هذهمن الصابرين!

فإن أوقعك القدر مع زوجة سيئة الخلق أو زوجٍ سيء الطباع غلبت سيئاته حسناته! أو فيه ما لا قِبَل لك به لتحمله، فبقاؤكَ أو بقاؤكِ تحته ليس صبراً وإنما خيار وقرار اتخذتَه لترهق نفسك، وتستهلك حياتك، وتستنزف طاقتك، وتذهب صحتك! فلا تقولن بعد ذلك إنك من الصابرين!

فهنا قد جعل الشرع لكم مخرجاً وسبيلًا : ﴿الطَّلاقُ مَرَّتانِ فَإِمساكٌ بِمَعروفٍ أَو تَسريحٌ بِإِحسانٍ [سورة البقرة: ٢٢٩] ولكنك اخترت غير ذلك فلا تلومن إلا نفسك!

وقد يكون أحدهم موظفًا في مهنة ما لدى شركة ما، ويكون متعبًا مرهقاً نفسيًا وجسديًا جراء مكانه الذي تموضع فيه! فهنا عليك باتخاذ القرار في خيار الجد في البحث عن عمل آخر تزيح عن كاهلك ذلك التعب الذي يدمر نفسيتك وصحتك! وأنت مسؤول عنهما أمام الله تعالى.

فإن لم تفعل، وآثرتَ البقاء في تلك الوظيفة فلا تهذي بعد ذلك بأنك صابر، وتنتظر جزاء الصابرين!

ولئن كنتَ في بلد ظالمٍ أهلُه، فلا تظلَّ فيه متحملاً لأْواءه بحجة الصبر! فأرض الله واسعة فهاجر إلى أرض أخرى تكون فيها من الناجين! وقد قال الله تعالى في كتابه: ﴿إِنَّ الَّذينَ تَوَفّاهُمُ المَلائِكَةُ ظالِمي أَنفُسِهِم قالوا فيمَ كُنتُم قالوا كُنّا مُستَضعَفينَ فِي الأَرضِ قالوا أَلَم تَكُن أَرضُ اللَّهِ واسِعَةً فَتُهاجِروا فيها فَأُولئِكَ مَأواهُم جَهَنَّمُ وَساءَت مَصيرًا ۝ إِلَّا المُستَضعَفينَ مِنَ الرِّجالِ وَالنِّساءِ وَالوِلدانِ لا يَستَطيعونَ حيلَةً وَلا يَهتَدونَ سَبيلًا ۝ فَأُولئِكَ عَسَى اللَّهُ أَن يَعفُوَ عَنهُم وَكانَ اللَّهُ عَفُوًّا غَفورًا ۝ وَمَن يُهاجِر في سَبيلِ اللَّهِ يَجِد فِي الأَرضِ مُراغَمًا كَثيرًا وَسَعَةً وَمَن يَخرُج مِن بَيتِهِ مُهاجِرًا إِلَى اللَّهِ وَرَسولِهِ ثُمَّ يُدرِكهُ المَوتُ فَقَد وَقَعَ أَجرُهُ عَلَى اللَّهِ وَكانَ اللَّهُ غَفورًا رَحيمًا﴾ [النساء: ٩٧١٠٠].

أما أنواع البلايا الأُخَر كمرض عُضال لا يُرجى البُرء منه، أو نحو ذلك من أنواع البلايا التي ليس لك أمامها إلا التسليم لها، والرضى بقضاء الله تجاهها، فإن فعلتَ ذلك بنية حسنة، وطيب خاطر فهذا هو الصبر، وأنت بذلك الوصف تكون من الصابرين الذين يرجى لك ثوابُهم وأجرُهم.

ومن ذلك الصبر على التمسك بأحكام الدين فهذا التزام بخيار آمنتَ به! فعليك الوفاء بهذا العقد.

وذلك كصبر المؤمن على أداء الشعائر كالصلاة والزكاة والصوم والحج والجهاد فهذه كلها ترتبت على خيار الدين الذي آمنت به! فالعمل على أدائها حق الأداء صبر يُرجى لصاحبه أن يُوَفّى أجر الصابرين.

والله أعلم.

3 تعليقات على “تصحيح المفاهيم 2 (الصبر)”

التعليقات مغلقة.