التصنيفات
خواطر مقالات

عذر أقبح من الذنب!

يتذرع المتفوقون من طلبة علوم الدنيا من المسلمين، في هجرتهم إلى بلاد الغرب ولاسيما أمريكا بذرائع شتى!

وبات من المسلَّماتويؤكده الواقع المعروفأن مجمل نهضة الغرب العلمية التقنية في مجال المدنية (المادية) إنما قام على أكتاف طلاب علم (ثم صاروا علماء) مهاجرين من الشرق عامةً ومن بلاد المسلمين خاصةً! تركوا بلدانهم رغبةً بما قدمه الغرب لهم من تسهيلات وحوافز وجوائز مقابل بحثهم العلمي، وابتكارهم الصناعي!

ثم إنَّ الغربَ لَماكرٌ غادرٌ مخادع مُصانِع! عرف كيف يستنزف طاقات هؤلاء المهووسين فيه، فسخرها في خدمة أهدافه وقضاياه قريبة المدى وبعيدتِه!

وهذا نهجه ومسلكه على امتداد الأعصار والأمصار.

يقول سبحانه: ﴿وَدَّ كَثيرٌ مِن أَهلِ الكِتابِ لَو يَرُدّونَكُم مِن بَعدِ إيمانِكُم كُفّارًا حَسَدًا مِن عِندِ أَنفُسِهِم مِن بَعدِ ما تَبَيَّنَ لَهُمُ الحَقُّ فَاعفوا وَاصفَحوا حَتّى يَأتِيَ اللَّهُ بِأَمرِهِ إِنَّ اللَّهَ عَلى كُلِّ شَيءٍ قَديرٌ﴾ [البقرة: ١٠٩].

وقال تعالى مبينًا منهج المشركين مع المسلمين :﴿وَلا يَزالونَ يُقاتِلونَكُم حَتّى يَرُدّوكُم عَن دينِكُم إِنِ استَطاعوا وَمَن يَرتَدِد مِنكُم عَن دينِهِ فَيَمُت وَهُوَ كافِرٌ فَأُولئِكَ حَبِطَت أَعمالُهُم فِي الدُّنيا وَالآخِرَةِ وَأُولئِكَ أَصحابُ النّارِ هُم فيها خالِدونَ﴾ [البقرة: ٢١٧].

ويقول سبحانه: ﴿وَلَن تَرضى عَنكَ اليَهودُ وَلَا النَّصارى حَتّى تَتَّبِعَ مِلَّتَهُم قُل إِنَّ هُدَى اللَّهِ هُوَ الهُدى وَلَئِنِ اتَّبَعتَ أَهواءَهُم بَعدَ الَّذي جاءَكَ مِنَ العِلمِ ما لَكَ مِنَ اللَّهِ مِن وَلِيٍّ وَلا نَصيرٍ﴾ [البقرة: ١٢٠].

ولم يألُ هذا الغرب الصليبي المتصهين جهداً في استثمار الجهود العلمية لهؤلاء المغتربين المغفلين، ليحولها إلى خناجر بل قل قنابل يرمي بها أمتهم وأهلهم وأطفالهم ونساءهم! حتى فاقوا فرعون في جبروته وطغيانه! فذاك كان يستحيي النساء!

أما هؤلاء فلم تفرق طائراتهم بين طفل وامرأة وعجوز وشيخ كبير!

والواقع يشهد لهم كم هم بارعون في القتل، وثقافة الفناء والإفناء! وكم هم فنانون في إهلاك الحرث والنسل! ﴿وَإِذا تَوَلّى سَعى فِي الأَرضِ لِيُفسِدَ فيها وَيُهلِكَ الحَرثَ وَالنَّسلَ وَاللَّهُ لا يُحِبُّ الفَسادَ﴾ [البقرة: ٢٠٥]

ولئن سألتهم لماذا هاجرتم إلى تلك البلاد؟ وفعلتم ما أجرمتم، وأفدتم عدوكم بما أفدتم، وزودتم عدو الأمة بما يجتث به شرايينها! كان جوابَهم وعذرهم بأنهم لم يلاقوا في بلادهم مَن يرعاهم ويتبنى مواهبهم وإبداعهم وعلمهمالخ!!

وهذا لعمر الحق هو التعريف المختصر الصحيح لمقولة ( عذر أقبح من الذنب)!!

فهم ليسوغوا صنيعهم غير الأخلاقي! يُرقِّعون لأنفسهم ويزينون عملهم! أوْهَمَهتْم أنفسُهم أن لا خيار أمامهم سوى طريقين: إما أن يهاجروا فيُحلِّقوا في سماء الغرب السوداء! أو يَبقَوا في بلادهم فيدفنوا إبداعهم وعلمهم! ودائمًا تجد هذا شأن أهل الهوى في كل العصور! يحددون طريقين أو خيارين بما تهوى أنفسهم ولا يلتمسون ثالثًا وسطاً صالحًا يسلكونه فيَسْلَمون ويُسلِّمون! وليتهم دفنوا علمهم ولم يحوِّلوه إلى طعنات نجلاء في ظهر أمتهم!!

ولكنهيهات هيهات

وإني لأعرف أنموذجات حية واقعية يندى لها الجبين!

فبعضهم تورَّط بعد أنْ لعق العظام التي رماها لهم الغربُ ليستدرجوهم! وبعد أن قدم لهم البحوث العلمية العظيمة التي قامت عليها صناعات في كل المجالات ولاسيما العسكرية ضربوا عليه حصاراً وصادروا حريته كي لا يستطيع النجاة منهم ومما ورطوه فيه! وكي لا يفيد بعلمه سواهم! وهذا أكثر ما ينطبق على من بلغوا شأوًا بعيداً في العلم والابتكار، وآلت إليهم جملةٌ من الأسرار

وبعضهم افتُتن بطريقتهم الدنيا فغسلوا دماغه بثقافتهم فتزوج منهم واستمرأ معيشتهم حتى عاد لا يستطيع الحياة بغيرها! فصار منهم!

ولسائلٍ أن يسأل هل كلهم ذلك الرجل؟! والجواب: قطعًا، لا! ولكن الغالب فيهم ذلك!

فالغرب لديه من الدهاء ليحول معظم الأفكار والبحوث العلمية إلى تقنيات عسكرية إجرامية! وهذا منهج يجري في دمائهم! وأشرت فيما مضى إلى الآيات القرآنية التي تؤكد تآمرهم! فهي ليست نظرية مؤامرة علينا! بل حقيقة أكدها القرآن!

فما ظن هؤلاء بأنفسهم؟! وما ظنهم بمن استخدموهم (جعلوهم لهم خدماً)؟ أرْدَوْهم فأصبحوا خاسرين. يقول تعالى: ﴿وَتَعاوَنوا عَلَى البِرِّ وَالتَّقوى وَلا تَعاوَنوا عَلَى الإِثمِ وَالعُدوانِ وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ شَديدُ العِقابِ﴾ [المائدة: ٢].

وإني لأعرف أحدهم تذرع بما يتذرع به المتذرعون المذكورون فهاجر ليكمل دراسته في مجال الهندسة الكهربية! فأكمل دراسته العليا وقدم بحوثاً في ابتكارات معينة! وإذا بهم يحولونها إلى النواحي العسكرية لكونها تخدم الجندي في دبابته أكثر من غيره!

وهذا طالب آخر قدَّمَ مشروع بحث مهم في مجال الهندسة الميكانيكية فقدمت له إحدى الجهات دعماً مالياً لمشروعه كي ينجزه مقابل استحواذهم على الفكرة والمشروع برمته! فذكر أنه بعد إتمامه المشروع ظهر أن المؤسسة التي قدمت الدعم وراءها جهة عسكرية محضة! فحازت هي العلم والابتكار، وخرج هو بالخزي والعارفما يجزي عن أحدهم الدرهم ولا الدولار، ولا يغني عنه شيئًا من غضب العزيز الجبار!

ولو رحت أسرد وأقص القصص لطال بنا المقام! فالموضوع كبير، والخطر عظيم، والخيانة مريرة!

ولا حول ولا قوة إلا بالله.

وحسبنا الله ونعم الوكيل.

6 تعليقات على “عذر أقبح من الذنب!”

{ وَٱللَّهُ یُرِیدُ أَن یَتُوبَ عَلَیۡكُمۡ وَیُرِیدُ ٱلَّذِینَ یَتَّبِعُونَ ٱلشَّهَوَ ٰ⁠تِ أَن تَمِیلُوا۟ مَیۡلًا عَظِیمࣰا }
[سُورَةُ النِّسَاءِ: ٢٧]
{ وَإِذۡ یَمۡكُرُ بِكَ ٱلَّذِینَ كَفَرُوا۟ لِیُثۡبِتُوكَ أَوۡ یَقۡتُلُوكَ أَوۡ یُخۡرِجُوكَۚ وَیَمۡكُرُونَ وَیَمۡكُرُ ٱللَّهُۖ وَٱللَّهُ خَیۡرُ ٱلۡمَـٰكِرِینَ }
[سُورَةُ الأَنفَالِ: ٣٠]
{ یُرِیدُونَ لِیُطۡفِـُٔوا۟ نُورَ ٱللَّهِ بِأَفۡوَ ٰ⁠هِهِمۡ وَٱللَّهُ مُتِمُّ نُورِهِۦ وَلَوۡ كَرِهَ ٱلۡكَـٰفِرُونَ }
[سُورَةُ الصَّفِّ: ٨]
اللهم لا تكلنا إلى أنفسنا طرفة عين ولا إلى أحد من خلقك .
جزاك الله خيرا يا دكتور على هذا الطرح الجميل المؤلم .

التعليقات مغلقة.