التصنيفات
خواطر مقالات

قُتل الإنسانُ ما أكفرَه…!

عجباً لهذا الإنسان …!

مع أنه مخلوق ضعيف من طين! ثم تكاثر من دم ولحم وعظم وأعصاب! إلا أن فيه طاقة عجيبة للطغيان والكفران!: ﴿كَلّا إِنَّ الإِنسانَ لَيَطغى ۝ أَن رَآهُ استَغنى﴾ [العلق: ٦٧].

طاقة لا توصف في التكبر والاستعلاء والجدال في الحق بعدما تبين، والخصام في الباطل، والتعجل في الأمور، كل ذلك يختلج في نفسه، على الرغم من ضعفه! ﴿خَلَقَ الإِنسانَ مِن نُطفَةٍ فَإِذا هُوَ خَصيمٌ مُبينٌ﴾ [النحل: ٤]، ﴿وَلَقَد صَرَّفنا في هذَا القُرآنِ لِلنّاسِ مِن كُلِّ مَثَلٍ وَكانَ الإِنسانُ أَكثَرَ شَيءٍ جَدَلًا﴾ [الكهف: ٥٤]

حتى قال فرعونهم: ﴿ أَنا رَبُّكُمُ الأَعلى﴾ [النازعات: ٢٤]!

يقول ذلك! وهو قد بلغ من الضعف والهوان مبلغه: ﴿أَوَلا يَذكُرُ الإِنسانُ أَنّا خَلَقناهُ مِن قَبلُ وَلَم يَكُ شَيئًا﴾ [مريم: ٦٧] ﴿وَخُلِقَ الإِنسانُ ضَعيفًا﴾ [النساء: ٢٨]. ﴿خُلِقَ الإِنسانُ مِن عَجَلٍ سَأُريكُم آياتي فَلا تَستَعجِلونِ﴾ [الأنبياء: ٣٧]

عجبت له كيف تتكون فيه هذه المشاعر الزائفة الكاذبة!

كنا نظن أن العلاقات بين الدول تحكمها المصالح المشتركة لا الأخلاق والمبادئ والقيم الإنسانية!

فإذا بنا نكتشف أن ذلك ما هو إلا انعكاس لحقيقة هذا الإنسان! المجبول على الكفران والطغيان!

فترى الشقيق يعرف شقيقه وقت المصلحة!

وترى الأخ يترك أخاه في وقت الشدة والمرض والضعف! ويتحاشاه!

وترى الناس من حولك تحسبهم بشراً فإذا هم آلات تسعى لتحقيق أهداف مشغلها، وتسحق في طريقها كل معاني الحب والإنسانية.

وترى شقيهم الآخر يسعى بإتلاف نفسه ودينه وخُلقه لكسب رضى غيره من زوج أو ولد أوأوغيره!

وترى الولد يهجر أباهويتنكب المرء للمرء ما قد آتاه! ويتنكر الزوج للزوج ما قد رآه!

كل ذلك كائن مالم يروض الإنسان ما وعى جانباه!

هذا الإنسان الضعيفالذي تكلم فيه وعليه القديم والحديث، وجعلوه محور فلسفتهم، لا أرى أمره أوضح مما في كلام الله خالقه عنه! ﴿أَلا يَعلَمُ مَن خَلَقَ وَهُوَ اللَّطيفُ الخَبيرُ﴾ [الملك: ١٤].

﴿قُتِلَ الإِنسانُ ما أَكفَرَهُ﴾ [عبس: ١٧] وهذا دعاء عليه على ماجرت عليه عادة العرب من الدعاء بهذا اللفظ! كما قال ابن جزي في تفسيره. والكفران يشمل الجحود بنعم الله إلى الكفر به سبحانه .

﴿إِنَّ الإِنسانَ لِرَبِّهِ لَكَنودٌ﴾ [العاديات: ٦] أي: جحود.

﴿ إِنَّ الإِنسانَ لَظَلومٌ كَفّارٌ﴾ [إبراهيم: ٣٤]

﴿كَلّا إِنَّ الإِنسانَ لَيَطغى﴾ [العلق: ٦]

﴿لَقَد خَلَقنَا الإِنسانَ في كَبَدٍ﴾ [البلد: ٤] أي مكابدة وتعب ومشقة.

﴿يا أَيُّهَا الإِنسانُ ما غَرَّكَ بِرَبِّكَ الكَريمِ﴾ [الانفطار: ٦] أي : ما جرَّأَكَ على ربك!!؟

هذه بعض المكونات الشمائلية لهذا المخلوق المتمرد! كما حكاها القرآن!

وإن تعجب فعجب طبيعته النفعية (البراغماتية)! حتى مع خالقه! فكيف بمن دونه! وقد بينها القرآن في أكثر من مشهد؛ نظراً لتعددها وتنوعها! فقال واصفًا إياه: ﴿وَإِذا مَسَّ الإِنسانَ الضُّرُّ دَعانا لِجَنبِهِ أَو قاعِدًا أَو قائِمًا فَلَمّا كَشَفنا عَنهُ ضُرَّهُ مَرَّ كَأَن لَم يَدعُنا إِلى ضُرٍّ مَسَّهُ كَذلِكَ زُيِّنَ لِلمُسرِفينَ ما كانوا يَعمَلونَ﴾ [يونس: ١٢].

﴿فَإِذا مَسَّ الإِنسانَ ضُرٌّ دَعانا ثُمَّ إِذا خَوَّلناهُ نِعمَةً مِنّا قالَ إِنَّما أوتيتُهُ عَلى عِلمٍ بَل هِيَ فِتنَةٌ وَلكِنَّ أَكثَرَهُم لا يَعلَمونَ﴾ [الزمر: ٤٩]

﴿وَإِذا مَسَّ الإِنسانَ ضُرٌّ دَعا رَبَّهُ مُنيبًا إِلَيهِ ثُمَّ إِذا خَوَّلَهُ نِعمَةً مِنهُ نَسِيَ ما كانَ يَدعو إِلَيهِ مِن قَبلُ وَجَعَلَ لِلَّهِ أَندادًا لِيُضِلَّ عَن سَبيلِهِ قُل تَمَتَّع بِكُفرِكَ قَليلًا إِنَّكَ مِن أَصحابِ النّارِ﴾ [الزمر: ٨]

﴿وَإِنّا إِذا أَذَقنَا الإِنسانَ مِنّا رَحمَةً فَرِحَ بِها وَإِن تُصِبهُم سَيِّئَةٌ بِما قَدَّمَت أَيديهِم فَإِنَّ الإِنسانَ كَفورٌ﴾ [الشورى: ٤٨].

وأما طبيعته المزاجية المنقلبة عن نفعيته فيقول عنها القرآن: ﴿وَإِذا أَنعَمنا عَلَى الإِنسانِ أَعرَضَ وَنَأى بِجانِبِهِ وَإِذا مَسَّهُ الشَّرُّ كانَ يَئوسًا﴾ [الإسراء: ٨٣]

﴿لا يَسأَمُ الإِنسانُ مِن دُعاءِ الخَيرِ وَإِن مَسَّهُ الشَّرُّ فَيَئوسٌ قَنوطٌ﴾ [فصلت: ٤٩]

﴿وَإِذا أَنعَمنا عَلَى الإِنسانِ أَعرَضَ وَنَأى بِجانِبِهِ وَإِذا مَسَّهُ الشَّرُّ فَذو دُعاءٍ عَريضٍ﴾ [فصلت: ٥١]

وأما طبيعته في البغي والفجور فحدث ولاحرج! : ﴿بَل يُريدُ الإِنسانُ لِيَفجُرَ أَمامَهُ﴾ [القيامة: ٥]

ولا سبيل لتقويم هذا الإنسان وتعديل مساره، سوى ما أكده القرآن أيضًا، فهنا كلمة السر التي تصلح حياة الإنسان وتجعل سيرته سوية!

والأمر جد واضح في كتاب الله تعالى:

﴿فَأَمّا مَن طَغى ۝ وَآثَرَ الحَياةَ الدُّنيا ۝ فَإِنَّ الجَحيمَ هِيَ المَأوى ۝ وَأَمّا مَن خافَ مَقامَ رَبِّهِ وَنَهَى النَّفسَ عَنِ الهَوى ۝ فَإِنَّ الجَنَّةَ هِيَ المَأوى﴾ [النازعات: ٣٤٤١].

فمحور الموضوع في حياة الإنسان يتمركز في مشهدين اثنين لا ثالث لهما : إما الطغيان والجريان مع جبلة هذا الإنسان على ما تقدم في وصفه!في حب الدنيا وهوى النفس وإيثارهما. وهذا أمر عاقبته الجحيم.

وإما الخوف من الله خالقه وبارئه، ومعرفة ضعفه وهوانه تجاه مولاه سبحانه، ومنع نفسه من اتباع هواها، بل حملها على تقواها، وكبح جموحها وجماحها، وهذا عاقبته النعيم المقيم، والخاتمة الحسنى!

لله تلكم النفس التي صورها مَن بَرَأَها فقال:

﴿وَنَفسٍ وَما سَوّاها ۝ فَأَلهَمَها فُجورَها وَتَقواها ۝ قَد أَفلَحَ مَن زَكّاها ۝ وَقَد خابَ مَن دَسّاها﴾ [الشمس: ٧١٠].

3 تعليقات على “قُتل الإنسانُ ما أكفرَه…!”

التعليقات مغلقة.