التصنيفات
مقالات

المرأة بين التقويم والتعويم!

حيرت هذه المرأة الفلاسفة في كل زمان ومكان!

ولم يختلفوا في شيء كاختلافهم فيها!

وما كنت لأكتب هذه الكلمات قبل اليوم! فما كان الكاتب بأعلم فيها من القارئ!

ولكنها الأيامتبدي لك ما كنت جاهلاً…!

وعندما نظرت إلى المرأة في ضوء ما ورد من نصوص الكتاب والسنة النبوية الصحيحة وجدت الأمر في غاية الأهمية من جهة، والبساطة من جهة أخرى!

ويترتب على ذلك فهم هذا الكائن العظيم والتعامل معه وفقًا لذلك.

أما الأهمية ففي قوله تعالى:﴿وَمِن آياتِهِ أَن خَلَقَ لَكُم مِن أَنفُسِكُم أَزواجًا لِتَسكُنوا إِلَيها وَجَعَلَ بَينَكُم مَوَدَّةً وَرَحمَةً إِنَّ في ذلِكَ لَآياتٍ لِقَومٍ يَتَفَكَّرونَ﴾ [الروم: ٢١].

فجعل خَلقهنّ آيةً من آيات الله العظمى الدالة على عظمة الخالق ، ثم جعلهن أساس السكينة، فقال:(لتسكنوا إليها) ولم يقل :(ليسكنَّ إليكم)! وهي ميزة أساسية أصيلة تضاف إلى ميزاتها التي تجعل منها مخلوقًا مميزاً لا استقامة لحياة بني آدم بدونها؛ ولذلك خلقها منه وبث منهما البشرية جمعاء، فقال سبحانه:﴿يا أَيُّهَا النّاسُ اتَّقوا رَبَّكُمُ الَّذي خَلَقَكُم مِن نَفسٍ واحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنها زَوجَها وَبَثَّ مِنهُما رِجالًا كَثيرًا وَنِساءً وَاتَّقُوا اللَّهَ الَّذي تَساءَلونَ بِهِ وَالأَرحامَ إِنَّ اللَّهَ كانَ عَلَيكُم رَقيبًا﴾ [النساء: ١].

ولقد امتن الله على أنبيائه، وخيرة خلقه وأوليائه، بأن زوّجهم بهن، وجعل لهم منهن ذريات! فقال جلَّ مِن قائل: ﴿وَلَقَد أَرسَلنا رُسُلًا مِن قَبلِكَ وَجَعَلنا لَهُم أَزواجًا وَذُرِّيَّةً وَما كانَ لِرَسولٍ أَن يَأتِيَ بِآيَةٍ إِلّا بِإِذنِ اللَّهِ لِكُلِّ أَجَلٍ كِتابٌ﴾ [الرعد: ٣٨].

وبناءً على ذلك فالمرأةفي رأييمحور حياة الرجل ودنياه! تحتويه ليسكن بها وإليها وفيها، بشرط أن يعرف طبيعتها التي خلقها الله عليها، كما ورد في الحديث: عَنْ أبي هريرة رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ، قَالَ : قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : اسْتَوْصُوا بِالنِّسَاءِ ؛ فَإِنَّ الْمَرْأَةَ خُلِقَتْ مِنْ ضِلَعٍ، وَإِنَّ أَعْوَجَ شَيْءٍ فِي الضِّلَعِ أَعْلَاهُ، فَإِنْ ذَهَبْتَ تُقِيمُهُ كَسَرْتَهُ، وَإِنْ تَرَكْتَهُ لَمْ يَزَلْ أَعْوَجَ، فَاسْتَوْصُوا بِالنِّسَاءِ .رواه البخاري برقم 3331.

وأزعم أن غالب سوء الفهم بين معاشر الرجال والنساء مرده إلى عدم فهم هذه الحقيقة الفطرية التي خلق الله المرأة وفقها!

فالمرأة بلغت من الرقة ما بلغه الضلع الذي خلقت منه! ومعلوم أن الضلع أضعف العظام، وأكثرها قابلية للكسر أو التشعير، ولذلك يتحتم على المرء حمايته جيدًا سواء في الظروف العادية أم في الرياضات الجسدية.

والحديث النبوي وهو من جوامع كلمه على وجيز عبارته فإنه قد وضع منهجية واضحة في التعامل مع المرأة وفقًا لطبيعة خَلقها، وقد رسم لنا النبي معالم الطريق بأنه يقع بين أمرين لا ثالث لهما، وهو أن تعاملها بين التقويم والتعويم! فلا تقويم مستمراً ولا تعويم مستمراً، وأعني بالتعويم أي ترك التقويم.

إذنفعلى العاقل إذا أراد أن تستقيم له حياة مع الأنثى أن يسلك هذا المنهج النبوي الفذ! فيكون معها بين التقويم والتعويم! بعبارة أخرى لا يطمع في كمال المرأة من جهة، ولا يهمل أمرها فتهمله فتعوج الحياة! بل لابد من سلوك منهج الـ(بين بين)؛ ولذلك فختم النبي حديثه بحكمة هي ضالة المؤمن في هذا الباب ، فقال:(فَاسْتَوْصُوا بِالنِّسَاءِ)! وهذا لب الموضوع وخلاصته.

فالمنهج المتقدم في اللإفراط ولا تفريط هي وصية النبي في النساء، وأعظم بها من وصية تكتب بماء الذهب وتعلق في صدور البيوت ؛لتكون مشكاة تنير حياة الناس.

فكن يا رعاك الله بين التقويم والتعويم، ولا تكونن ممن يشتد على النساء معاتباً في كل الأمور، بل لابد من اتباع طريقة هي قبل التقويم كي لايقع الكسر في العلائق! وطريقة هي قبل تعويم الأمور وتركها سبهللاً كي لا تنفلت الأمور وتتشتت الغايات، وتضيع المجتمعات.

وما ذكرته لا ريب محمول على مجمل العلاقات في المباحات والمندوبات (المستحبات)، وحتى المكروهات! ولا يكون فيما نهى الشرع عنه بوجه قطعي! فهذا أمر قد فصل الله فيه! ولا حظ لمؤمن ولا مؤمنة منه إلا أن يقول: ﴿ سَمِعنا وَأَطَعنا غُفرانَكَ رَبَّنا وَإِلَيكَ المَصيرُ﴾ [البقرة: ٢٨٥].﴿إِنَّما كانَ قَولَ المُؤمِنينَ إِذا دُعوا إِلَى اللَّهِ وَرَسولِهِ لِيَحكُمَ بَينَهُم أَن يَقولوا سَمِعنا وَأَطَعنا وَأُولئِكَ هُمُ المُفلِحونَ﴾ [النور: ٥١].

وعلى هذا فينبغي فهم ما تقدم في إطار شرع الله تعالى في عقد تنظيم العلاقة بين الرجل والمرأة وفقاً لطبيعة خَلقهما وتكوينهما في أمور الحياة لتستقيم لهما الحياة.

اجعلها تشعرسواء أكانت بنتاً أم أختاً أم زوجةبأنها ملكة في بيتها، أعطها هوامش حرية لا تحس فيها بأنها غير محل للثقة، لا تألُ جهداً في بذل ما تستطيع ماديًا ومعنويًا لتجعلها تشعر بالأمان معك، وأنها تأوي إلى ركن رشيد، ورجل عتيد.

ولعل بعض الفلاسفة لم يبعد النجعة عندما قال:“خُلقت المرأة لتحبها لا لتفهمها”!

وربما لا أتجاوز الحقيقة إذا قلت: إن غالب المشكلات التي تحدث بين الذكر والأنثى مردها إلى تقويم ما لا يُقوَّم فتكون عاقبته الكسر! وهذا يعني فشل العلاقة.

أو إلى تعويم الأمور وتركها سائبةً فيقع الإهمال فالفشل أيضًا بوصفه محصلةً نهائية لخراب العلائق بينهم.

وعلينا أن نبصر جيدًا لنتلمس الطريق الصحيح بين التقويم المستمر المفضي إلى الكسر، والإغراق في التعويم المفضي إلى الفشل!

وغالب الظن أن الرجال متفاوتون في تلمس هذا السبيل! وذلك وفقًا لمدى توفّقهم وتفوّقهم فيه!

وهكذا هي الحياة الدنيا! فالناس فيها محرومون من صنوف الكمال، وتساويهم فيها ضرب من ضروب الخيال! فالأخلاق والأرزاق مقسومة كالآجال! وكلٌ آخذٌ بنصيبه منها وفق ما قدر الله له ذو الجلال.

ولعل سائلاً يسألني: هل لك أن تحدد مفهومك من الطريق الذي بينت! والمنهج الذي ذكرت؟

والجواب عن ذلك: بأن الأمر يكون بالتغافل تارةً، والتجاهل تارةً، بل بالتغابي تارةً أخرى! على حد قول الشاعر:

ليس الغبي بسيد في قومه

ولكنْ سيد قومه المتغابي!

وإبداء الرأي في المسائل يكون بالحكمة والإقناع لا على سبيل الأمر والنهي، والزجر والوعيد، فهذا كله سيفضي إلى كسر ذلكم الضلع الضعيف! الذي يشنأ أكثر ما يشنأ النقد المستمر، الذي عاقبتهعافانا الله وإياكمنحسٌ مستعر.

وإبداء الرأي بالحكمة والإقناع ينبغي أن يكون بين الفينة والفينة، وليس دائماً في كل حين ومناسبة! وهذا هو الضمان لكي لا يقع انحراف عن الجادة في مسيرة الرجال والنساء .

ولا يغيب عن لبيب أن الرفق في كل الأمور عامةً هو منهج نبوي كريم، وهو كذلك في أمر النساء خاصةً سواء أكن أمهاتٍ أم زوجاتٍ أم بنات أم أخوات.

فعَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ قَالَ : كَانَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي مَسِيرٍ لَهُ، فَحَدَا الْحَادِي، فَقَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : ارْفُقْ يَا أَنْجَشَةُوَيْحَكَبِالْقَوَارِيرِ . رواه البخاري برقم 6209. وأراد بالقوارير: النساء، كما في رواية أخرى في الصحيح.

ولعل ما يُلحظ هنا أن العاقل عندما يسلك هذا المنهج فلسوف يجنب زوجه خاصةً وصولها لمرحلة( كفران العشير)! وهي مرحلة خطيرة، وخطيئة كبيرة، تفضي بها إلى العذاب في النار والعياذ بالله! كما ثبت في حديث آخر، فهو بمنهجه هذا يعينها على القيام بأمر الله في تجنب كفران العشير، ونكران حقه عليها، أو حتى النشوز! وهذا لاريب من باب التعاون على البر والتقوى المأمورين به شرعاً كما قال سبحانه: ﴿وَتَعاوَنوا عَلَى البِرِّ وَالتَّقوى وَلا تَعاوَنوا عَلَى الإِثمِ وَالعُدوانِ وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ شَديدُ العِقابِ﴾ [المائدة: ٢]. وما ذاك إلا لشدة ردة فعل المرأة غالبًا لمن سلك معها غير السبيل النبوي.

وفي هذه المقاربة النبوية الشريفة بين القوارير وتشبيه النساء بها في الحديث السابق، وأنهن خلقن من ضلع ضعيف ملحظ مهم يعزز ما ذكرته! وهو أن العامل المشترك بين القارورة التي هي من زجاج، والضلع الضعيف الذي هو من عظم رقيق، وجه شبه في هشاشة كل منهما! فالقارورة إذا ذهبتَ تقوّمها بقوة انكسرت وتهشمت! وكذا الضلع.

ثم هنا لدي ما أقوله للأزواج خاصةً! وهو أنكم إذا كنتم سلكتم هذا السبيل ولم تجدوا تجاوباً ولا قبولًا ولا ثمرةً! فهذا يدل على نفور الطباع، واختلاف الأمزجة! والحل سهل يسير في شريعة الله السمحة! ﴿الطَّلاقُ مَرَّتانِ فَإِمساكٌ بِمَعروفٍ أَو تَسريحٌ بِإِحسانٍتِلكَ حُدودُ اللَّهِ فَلا تَعتَدوها وَمَن يَتَعَدَّ حُدودَ اللَّهِ فَأُولئِكَ هُمُ الظّالِمونَ﴾ [البقرة: ٢٢٩]. فالله سبحانه ﴿لا يُكَلِّفُ اللَّهُ نَفسًا إِلّا وُسعَها لَها ما كَسَبَت وَعَلَيها مَا اكتَسَبَت﴾ [البقرة: ٢٨٦].

ودعوا عنكم ما يروجه الإعلام الساقط في مهاوي العمالة والسفالة! فلقد صوّر الخيانة (الحرام) شيئًا عاديًا، وتعدد الزوجات (الحلال) جريمة نكراء، وجعل من زواج المسلمين زواجًا كاثوليكياً لا حل فيه سوى استمراء الهوان، واجترار الأحزان!

فَمَن شرع الزواج شرع الطلاق! بل هو حل ربما يكون مؤقتًا يراجع الزوجان فيه أمرهما وحساباتهما؛ ولذلك جعله المشرع رجعيًا مرتين لإعطاء فرصتين لعلهما يأتلفان ويتفقان ويتواضعان على أسلوب تستقيم عليه حياتهما. ولنا في رسول الله وصحابته رضي الله عنهم أسوة حسنة في هذا المقام وفي غيره، ولْيُراجِع سيرتهم في هذا الموضوع مَن رام التبصر في أمور حياته.

ثم لا ننسى ونحن نتكلم عن المرأة بأنها وإن كانت شقيقة الرجل وخلقت منه! بيد أن لهن ظروفًا وحالاتٍ تؤثر في أمزجتهن وسلوكهن! ﴿وَلَيسَ الذَّكَرُ كَالأُنثى﴾ [آل عمران: ٣٦]. فلديها عادة شهرية تتغير فيها هرموناتها، وجسمها مهيأ للحمل والولادة فالنفاس، وكلها أمور تغير في جسدها ومزاجها وسلوكها! ولذلك كانت الوصية النبوية بعد مقاربتها وتشبيهها بالقوارير ( فاستوصوا بالنساء خيراً).

فهن أوعيتنا وأوعية أولادنا وأحفادنا، وهن اللاتي أوصى النبي بحسن صحبتها ثلاثاً عندما تكون أماً، وأوصى بها خيراً عندما تكون زوجةً، ومنحنا ثمرة تربيتها الجنة بإذن الله تعالى عندما تكون بنتاً! وجعلها سبب البركة في العمر والأثر والرزق عندما تكون أختاً ورحماً على العموم.

وسوّى الشرع بينها وبين الرجل في كل شيء في الأحكام الشرعية وجعلن شقائق الرجال! إلا ما استثني مما يوافق خَلقها من الأمور التي امتازت بها عن الرجل من الحيض والحمل والرضاع والنفاس. وجعل لهن من الميراث ما للرجل بل أكثر منه في بعض الحالات! وأقل في بعضها الآخر وفق ما تقتضيه الحكمة والحاجة لتتوازن الحياة، وتستقيم الأمور.

ثم جعل لها حق الطعام والكسوة والسكنى اللائقةكل ذلك يأتيها وهي ملكة في بيتها دون هدر كرامة أو ذل نفس!

ثم هناك من يأتي ناعقاً أو ناعقةً من مرضى النفوس، يريد أن ينزلها عن عرشها ويسلبها ملكها وأنوثتها ويجعل منها ذكراً بصورة أنثى؛ خروجاً عن فطرة الله التي فطر الناس عليها! فيُحمِّلها أعباء الرجل! ويوظفها وظائف لا تليق إلا بالرجال ولا تليق بالقوارير! لأنها حتمًا ستتكسر في أتون فوضى خلط الأوراق، وقلب الموازين، وتجاهل الفطرة، واعوجاج المفاهيم!

وخلاصة القول

لكي يدور محور الدنيا هذا بصورة صحيحة عليك أن تديره وتوجهه وفقًا لتلكم الصورة الصحيحة التي سبقت! فلئن دار هذا المحور كما ينبغي له أن يدور، وفقًا للفطرة التي فُطر عليها، والجِبِلّة التي نشأ منها، أنعش وأدهش ما حوله؛ حتى يحيل الحياة بين الذكر والأنثى إلى روضة فيحاء! تضوع زهورها وورودها أجمل شذى، وتعزف طيورها ما يطرب له المدى، وإلا فلا!

والله الموفق إلى الهدى.

12 تعليق على “المرأة بين التقويم والتعويم!”

التعليقات مغلقة.