التصنيفات
خواطر مقالات

كي لا يغرق هذا الجيل*…!

في زمن اختلطت فيه الأوراق والتبست فيه المفاهيم

عاش جيل مأزوموتربى في جو مسموم.

تلاطمت في لُجّته أفكاره، وغَشِيَه من ظلماته موجٌ من فوقه موجٌ من فوقه سحابٌ متراكم من فساد المناهج التعليمية، وانعدام التربية الاجتماعية، والدينية الصحيحة.

في خضم ذلكفَقَد الجيل اتزانه، وضيّع عنوانه، واختل كيانه.

فتشابهت عليه الأمور، وبات لا يفرق بين الوسيلة والغاية، والأصول والفروع، والثقافة والتفاهة، وصار جل همه: كيف يتكيف مع هذا البحر اللُّجّي؟ ونسي أن الغاية هي الوصول إلى بر النجاة! لا مجرد السباحة فيه! ولا أرى حظه من ذلك إلا ما كان من حظ ابن نوح عندما نادى ابنَه في جو كهذا الجو من الجنون المادي المتلاطم الذي يضرب في كل اتجاه! ﴿وَهِيَ تَجري بِهِم في مَوجٍ كَالجِبالِ وَنادى نوحٌ ابنَهُ وَكانَ في مَعزِلٍ يا بُنَيَّ اركَب مَعَنا وَلا تَكُن مَعَ الكافِرينَ﴾ [هود: ٤٢].

اغتر هذا الجيل غالبًا كما اغتر سلفُه ابنُ نوح، وظن أنه ناجٍ بما لديه من علم يسير، ونظر ضعيف! ﴿قالَ سَآوي إِلى جَبَلٍ يَعصِمُني مِنَ الماءِ قالَ لا عاصِمَ اليَومَ مِن أَمرِ اللَّهِ إِلّا مَن رَحِمَ﴾ [هود: ٤٣].

فماذا كان من أمره؟! كلنا يعرف عاقبته ﴿وَحالَ بَينَهُمَا المَوجُ فَكانَ مِنَ المُغرَقينَ﴾ [هود: ٤٣].

وإني لأرى في هذه المقاربة بين الفريقين جامعاً مشتركاً فمن ذلك:

عدم الإيمان بثوابت الإيمان.

الاغترار بالعلم المادي القليل.

المكابرة والعناد بالباطل.

العنجهية الفارغة.

صم الآذان عن سماع النصح والإرشاد للسداد

التمرد على سلطة الأب والمربي والعالم.

التمرد على العادات الاجتماعية التي هي من صميم الدين والأخلاق.

كل ما سبق وغيرهكان نتيجة حتمية لغرق ابن نوح وهلاكه فاستحق الوصف الرباني ﴿قالَ يا نوحُ إِنَّهُ لَيسَ مِن أَهلِكَ إِنَّهُ عَمَلٌ غَيرُ صالِحٍ فَلا تَسأَلنِ ما لَيسَ لَكَ بِهِ عِلمٌ إِنّي أَعِظُكَ أَن تَكونَ مِنَ الجاهِلينَ ۝ قالَ رَبِّ إِنّي أَعوذُ بِكَ أَن أَسأَلَكَ ما لَيسَ لي بِهِ عِلمٌ وَإِلّا تَغفِر لي وَتَرحَمني أَكُن مِنَ الخاسِرينَ﴾ [هود: ٤٦٤٧].

وحتى لا تكون عاقبة هذا الجيل ما كان من عاقبة ابن نوح، كان لزامًا علي أن أوضح لهم بعض ما أُشكل عليهم.

وكما قيل:(السعيد من اتعظ بغيره والشقي من اتعظ بنفسه)!

ولي وقفات عديدة في هذا المجال لعلي بإذن الله تعالى أنجح في تحقيق هذه الغاية مهما بلغت النسبة!

ولعل أهمَّ ما يجب كشف اللَّبس عنه في أذهان هذا الجيل، التفرقة بين الأصول الثوابت الواجبات في الدين والأخلاق، والفروع المتغيرة مما سوى ذلك، وهذا على أقل تقدير، بل أضعف الإيمان!

فنحن في زمن ابتلينا به بأن نرضى غالبًا بأضعف الإيمان! ولا حول ولا قوة إلا بالله.

ولا ريب بأنَّ أضعف الإيمان خير مِن الـ(لا إيمان) كحال ابن نوح.

أيها الجيل المتمرد

لن أعظكم ولن أنصحكم! فلن ينفعكم نصحي؛ لأن غالبكم ينظر إلى النصح بأنه مدعاة للسخرية، وإضاعة الوقت.

ولكني أدعوكم من باب النفعية التي رُبِّيتم عليها، فكانت محور حياتكم، فمن العقل أن تضعوا احتمال نفعية ما سأقول لكم.

ومن ذلك أن الإيمان بأصول الدين والتحلي بالأخلاق سيعود عليكم بربح وفير، وجني كثير، في الدنيا والآخرة! لمن كان منكم يؤمن بالله واليوم الآخر!

فعندما نقول التزموا بالآداب، وتعاملوا بالأخلاق؛ لتنجوا من الشقاءكاحترام الكبير قولاً وفعلًاوبر الوالدينوالإحسان إليهما، وعدم تجاوزهما في كل الأموروعدم انتقاص الآخرينوالهزء بهم، والتظرف بهمزهم ولمزهموالسخرية من تاريخكم، وعادات آبائكم التي هي من الدين الحق، لا عادات الجاهلية!

لا تلووا رؤوسكم وتقولوا :(عادات عفا عنها الزمن).

بل التزموها لنفعكم ومصلحتكم قبل أن تكون لغيركم.

وعليكم أن تعلموا أن هذه الثوابت من الأخلاق، عابرة للأزمان والأجيال! فلا تختص بجيل دون جيل! فلا تتذرعوا بأنها لجيل غير جيلكم.

أخرجوا شيطان الهوى من رؤوسكم، الذي زين لكم سوء تقديركم، وخَلَط أفكاركم، وصدّق عليكم ظنه فبتم ألعوبة بيديه!

العقل السليم يفترض وقوع الاحتمالات مهما كانت نِسَبها.

فاجعلوا ذلك من ذلك؛ كي لا تقعوا في المهالك.

والله الهادي إلى خير المسالك.

_________________________________

* لا يعترضن أحد على صيغة العموم التي وردت في هذا المقال! فالمراد من ذلك التغليب لا التعميم كما يعرفه من خَبَر لغة العرب!

تعليقين على “كي لا يغرق هذا الجيل*…!”

نعم صحيح. كلام سليم. أبن نوح عمل غير صالح نوح عليه السلام لم يعرف ذلك. الخير في وفي أمتي الى يوم ألدين. فما حاول المفسدين في ألعالم لن ينجحوا.

التعليقات مغلقة.