التصنيفات
ردود فوائد مختارات مقالات

من أهم الأحاديث الصحيحة في فضل بيت المقدس، مع تعليقات أهل العلم

أذكر هنا بعض الأحاديث الصحيحة الواردة في فضل بيت المقدس (المسجد الأقصى) فك الله أسره من اليهود الغاضبين بسنابك خيول المسلمين الصادقين، ونصرنا الله فيه نصراً يُعز فيه أهل طاعته، ويُذل فيه كل من خان الله ورسوله والمسلمين، ورزقنا الصلاة فيه، وهذه الأحاديث لم تُشتهر على الألسنة ببعض زياداتها على ما اشتهر منها، أو هي مما استغربه بعض أهل العلم وعللوه بلا حجة أو برهان، ناقلاً تصحيحها وسلامتها من الشذوذ والعلل، عن كبار أهل العلم بالسنة والحديث ومخارجه وعلله قديماً وحديثاً جزاهم الله عنا وعن بيت المقدس وعن المسلمين خير الجزاء.

1- قال إمام السنة أبوجعفر الطحاوي في شرح مشكل الآثار 2/ 69 حديث رقم 610:

“ووجدنا يحيى بن عثمان قد حدثنا، قال: حدثنا علي بن معبد، حدثنا عيسى ـ وهو ابن يونس ـ، عن ثور ـ وهو ابن يزيد ، عن زياد ـ وهو ابن أبي سودة، عن ميمونة مولاة النبي عليه السلام، عن النبي أنها سألته، فقالت: أفتنا في بيت المقدس ، فقال: “أرض المحشر والمنشر، وائتوه، فصلوا فيه، فإن صلاة فيه كألف صلاة في غيره»، قالت: أرأيت إن لم أستطع أن أتحمل عليه، قال: «فلتهدي له زيتاً يُسرج فيه، فمن فعل ذلك فهو كمن أتاه!. هذا حديث صحيح صححه الطحاوي والهيثمي والبوصيري وتابعهم شيخنا شعيب الأرناؤوط في تخريجه، والعلامة الألباني في الثمر المستطاب كما سيأتي.

وقد عقب الإمام الطحاوي على هذا الحديث وما ساقه من الأحاديث الصحاح الدوال على فضل الصلاة في المسجد الأقصى على تباين في الأجر :“وكان مذهبنا في النسخ في مثل هذا أنه من الله تعالى رحمة لعباده، وزيادة منه إياهم في فضله عندهم، وفي رحمته لهم، فوجب بذلك أن يكون أول الأحكام كانت في ذلك على ما في الآثار المروية في فضل الصلاة في مسجد النبي على ما سواه من المساجد سوى المسجد الحرام، وأنه كالصلاة في مسجد من المساجد سوى الثلاثة المساجد المذكورة في الآثار الأُوَل من هذا الباب، ثم زاد الله تعالى من أتاه، فصلى فيه، ما رواه أبو ذر، عن النبي فيه، ثم زاده الله تعالى في ذلك أن جعله كخمس مئة صلاة فيما سوى هذه الثلاثة المساجد، ثم زاده الله فيه، فجعل صلاته فيه كألف صلاة فيما سواه من المساجد، غير هذه الثلاثة المساجد وجعلها كالصلاة في مسجد النبي ﷺ، والله أعلم بمراده في ذلك”.

وقال شيخنا العلامة الألباني رحمه الله في الثمر المستطاب 541- 543:“وقال عليه الصلاة والسلام: ايتوه فصلوا فيه، فإن صلاة فيه كألف صلاة فيما سواه ، قيل : أرأيت من لم يطق أن يتحمل إليه أو يأتيه؟ قال : فليهد إليه زيتاً يسرج فيه ، فإن من أهدى له كمن صلى فيه”.

الحديث من رواية مـيـمـونة بنت سعد رضي الله عنهـا مـولاة النبي ﷺ قالت : يا نبي الله ! أفتنا في بيت المقدس . فـقـال : «أرض المنشـر والمحـشـر ،ائتوه . . .» إلخ .

أخرجه أحمد (463/6) وابن ماجه (٤٢٩/١ – 430) من طريق عيسى ابن يونس قال : ثنا ثور عن زياد بن أبي سودة عن أخيه عثمان بن أبي سودة عنها .

وهذا سند حسن أو صحيح ، رجاله ثقات رجال البخاري ؛ غير زياد بن أبي سودة وأخيه عثمان ، وهما ثقتان كما في «التقريب» ، وقد وثقهما ابن حبان وغيره ، وروى عن كل منهما جماعة من الثقات .

وقد أورده الهيثمي (6/4 – 7) من طريق أبي يعلى وقالورجاله ثقات» .

وأما الذهبي فخالف حيث قال في ترجمة عثمان بن أبي سودة : «وثقه مروان الطاهري ـ كذا ولعل الصواب : الطاطري ـ وابن حبان . قلت : في النفس شيء من الاحتجاج به » .

وقال في ترجمة أخيه زياد ـ وقد ساق له هذا الحديث ـ :(«هذا حديث منكر جداً . قال عبدالحق : ليس هذا الحديث بقوي ، وقال ابن القطان : زياد وعثمان ممن يجب التوقف عن روايتهما» .

كذا قالوا ، ولم يذكروا حجتهم فيما إليه ذهبوا ، ولم أجد لهم في ذلك سلفاً من المتقدمين من أهل الجرح والتعديل ، وقد علمت مما أوردنا أنهما ثقتان عند ابن حبان وغيره من المتقدمين والمتأخرين ؛ كالحافظ ابن حجر وشيخه الهيثمي وغيرهما ممن يأتي ، ولم يظهر لي وجه الحكم بالنكارة التي جزم بها عند ابن حبان وغيره من المتقدمين والمتأخرين كالحافظ ابن حجر وشيخه الهيثمي (في الأصل الذهبي! والصواب ما أثبت)، ولذلك كله فإني أذهب ـ بعـد أن اسـتـخـرت الله تعالىإلى أن الحديث قوي ثابت ، وأن من جرحه لا حجة معه”. انتهى كلام الألباني رحمه الله تعالى.

2- وفي الباب عن أبي ذر رضي الله عنه قال : تذاكرنا ونحن عند رسول الله: أيهما أفضل : مسجد رسول الله أو مسجد بيت المقدس؟ فقال رسول الله :

«صلاة في مسجدي هذا أفضل من أربع صلوات فـيـه ، ولنعم المصلى ، ولـيـوشـكـن أن يكون للرجل مثل شطن (هو الحبل) فرسه من الأرض حيث يرى منه بيت المقدس خير له من الدنيا جميعاً ، أو قال : خير من الدنيا وما فيها».

أخرجه الحاكم (509/4) من طريق الحجاج بن الحجاج عن قتادة عن أبي الخليل عن عبدالله بن الصامت عنه . وقالصحيح الإسناد» . ووافقه الذهبي .وهو كما قالا.

وقد أخرجه الطبراني أيضاً في «الأوسط» ، ورجاله رجال الصحيح كما في«المجمع» (7/4) . وقال المنذري (۱۳۸/٢) : «رواه البيهقي بإسناد لا بأس به ، وفي متنه غرابة» .

وقد رواه ابن عساكر من طريق سعيد بن بشير عن قتادة عن عبدالله بن الصامت به . فأسقط بين قـتـادة وابن الصامت أبا الخليل ، والأصح إثباته ،واسمه صالح بن أبي مريم ، وهو ثقة من رجال الستة.

قلت : ولعل وجه الغرابة أنه ثبت في حديث ميمونة المتقدم أن الصلاة في المسجد الأقصى بألف صلاة، وفي حديث أبي الدرداء ـ الذي سبق ذكره في تخريج أول أحاديث المسجد ـ أن الصلاة فـيـه بخمسمائة صلاة ، وفي حديث أبي ذر هذا أن صلاة في مسجده عليه الصلاة والسلام أفضل من أربع صلوات في المسجد الأقصى ، وهذا لا يتفق في معناه مع الحديثين المشـار إليهما ؛ فإنه يفيد أن فضل الصلاة فيه أربعة أضعاف الصلاة في الأقصى، وينتج منه أن الصلاة في المسجد الأقصى على الربع من الصلاة في المسجد النبوي ، أي : بمائتين وخمسين صلاة . وهذه النتيجة لا تتفق مع ما ثبت في الأحاديث الكثيرة المتقدمة أن الصلاة في الأقصى بألف أو بخمسمائة.

فيقال : إن الله سبحانه وتعالى جعل فضيلة الصلاة في الأقصى مائتين وخمسين صلاة أولا ، ثم أوصلها إلى الخمسمائة ، ثم إلى الألف ؛ فضلاً منه تعالى على عباده ورحمة . والله تعالى أعلم بحقيقة الحال.(الثمر المستطاب للعلامة الألباني 448- 549، ويلاحظ توافق ما ذكره الألباني مع ما قاله الطحاوي قبل أكثر من ألف عام رحمهما الله).

3- عن عبدالله بن عمرو بن العاص رضي الله عنه، قال رسول الله إن سليمان بن داوود لما بنى بيت المقدس سأل الله عز وجل خلالاً ثلاثة : سأل الله عز وجل حكماً يصادف حكمه ؛ فأوتيه . وسأل الله عز وجل ملكاً لا ينبغي لأحد من بعده ؛ فأوتيه . وسأل الله عز وجل حين فرغ من بناء المسجد أن لا يأتيه أحد لا ينهزه إلا الصلاة فيه أن يخرجه من خطيئته كيوم ولدته أمه [فنحن نرجو أن يكون الله عز وجل قد أعطاه إياه]» .

قال شيخنا العلامة الألباني في الثمر المستطاب 545- 546: “الحـديث أخـرجـه النسائي (۱۱۲/۱۱۱۳) عن أبي إدريس الخولاني والسياق لـه ، وابن ماجه (430/1) عن أبي زرعـة الـشـيـبـاني يحيى بن أبي عـمـرو ، وأحـمـد (١٧٦/٢) عن ربيعة بن يزيد ، والحاكم (٣٠/١) عنه وعن الـشـيـبـانـي معـاً ـ والزيادة لهما ـ ثلاثتهم عن عبدالله بـن فـيـروز الديلمي عن عبدالله بن عمرو بن العاص مرفوعاً به . وقال الحاكم :

«صحيح على شرطهما ولا أعلم له علة» ، ووافقه الذهبي .

قلت : أما أن الحديث صحيح ؛ فهو كما قالا، لا شك فيه، وأما أنه على شرطهما ففيه نظر ؛ لأن ابن الديلمي ليس من رجالهما، وهو ثقة من كبار التابعين كما قال الحافظ في «التقريب»؛ قال : «ومنهم من ذكره في الصحابة » .

والحديث أخرجه أيضاً ابن خزيمة وابن حبان في «صحيحيهما» كما في «الترغيب» (۱۳۷/۲۱۳۸) ، وقد صححه النووي في«المجموع» (۲۷۸/۸). والحافظ في «الفتح» (316/6)” .

4- عن أبي أمامة الباهلي رضي الله عنه أن رسول الله قال:“لاتزال طائفة من أمتي ظاهرين على الحق، لعدوهم قاهرين، لا يضرهم من خالفهم، إلا ما أصابهم من لأواء، فهم كالإناء بين الأكلة، حتى يأتيهم أمر الله وهم كذلك، قالوا: يا رسول الله، وأين هم؟ قال: ببيت المقدس، وأكناف بيت المقدس”. رواه الطبري في تهذيب الآثار برقم1158، بإسناد صحيح، ووثق رجاله محققه العلامة محمود شاكر.