التصنيفات
خواطر مقالات

جمهورية الحلقوم

وأخيرًا

زرت تركيا وكان لي فيها انطباعات وملحوظات لابد من تسجيلها للتاريخ!

الجيد في الأمر أني تنقلت في أربع محافظات فيها مع ماحولها من مناطق سياحية وريفية مما يعطي تلكم الانطباعات بعداً منوعًا قد يجمعها جامع مشترك واحد!

من حسنات تركيا ما أنجزته خلال 20 سنة مضت من بنية مادية تحتية وفوقية متطورة رفعت من مستوى عيش الناس هناك.

أما عن جمال طبيعة البلاد فحدث ولا حرج.

ولكنهل هذا يكفي؟

قطعًا لا

أثبتت التجارب التاريخية السابقة أن من اشتغلوا بالمدنية ( الماديات)، وأغفلوا البنية الفكرية، والتطور الثقافي الإنساني، كان مصيرهم الفشل والانحلال والاضمحلال!

وتركيا وغير تركيا ليست ببعيد عما ذكرت!

فأول ما يلحظ الزائر هناك عبوس الناس وانحلالهم الخُلُقي شكلاً ومضمونًا إلا من رحم ربي!

ولم أكن لأذكر ذلك لولا أنهم يصنفون تركيا بأنها بلد إسلامي! لا بل كانت حاضنة السلطنة العثمانية لما يقارب الأربعة عقود من الزمان.

لقد عبثت ولعبت فيهم العلمانية والمدنية لعباً حتى جعلت منهم مبتوري الجذور، منزوعي الهوية، منخوري الدين! إلا من علم يرفرف وصور لمن أوصلهم إلى ذلك في كل مكان!

لا تفرق بينهم وبين شعوب أوروبا العلمانية بشيء سوى أنهم يعتمدون ( الشطافة الإسطمبولية) في حماماتهم، وهو أمر إيجابي بلا شك.إصافةً إلى بعض الكلمات العربية ذات الطابع الإسلامي في كلامهم نحو : ماشاء الله/ إن شاء الله ، ونحوها.

يحزن الزائر المسلم لما أصابهم في مقتل! في صلب دينهم وثقافتهم!

فصل الدين لديهم عن المجتمع وعن الدولة معاً أنتج جيلًا منخوراً هزيلًا ماديًا لا يكاد يعرف عن دينه إلا ما تركه سلاطين بني عثمان من مساجد تاريخية شاهدة على إسلامية سلطنتهم!

نعم هناك مساجد تبنى على غرار الطراز العثماني المميز هنا وهناك ولكنكم نسبة من يعمرها؟ وما الثقافة الدينية التي في ذهن مرتاديها؟ في غالبها فكر صوفي متقوقع على نفسه! شأنه كشأن الصوفية في كل مكان من حصر أورادهم وطقوسهم في زواياهم وتكاياهم وعدم خروجه منها إلا بسبحة طويلة وقلنسوة!

نعم هذا الغالب ولا أعمم.

أما بغض العرب ومداه ولا سيما في (إسطنبول) فهو لافت للنظر وعجيب!

أقول ذلك بعد تعرض مجموعتنا لأكثر من موقف عنصري! وعدم تدخل عناصر الشرطة! بل كانوا يراقبون الوضع وكأنه لا يعنيهم!

فتباً لبلاد يعيش العربي فيها ذليلًا

سواء أكانت تركيا أم غيرها.

ولا عزاء لذليل

وليتعلموا من عنترة العبسي الجاهلي عندما قال:

لا تسقني كأس الحياة بذلة

بل فاسقني بالعز كأس الحنظل!

فما يكاد يسمعك أحدهم تنبس بكلمة عربية إلا شرع في سب العرب وانتقاصهم! حقد غريب حقاًهل هو قديم؟ أم جراء الوضع الاقتصادي الناجم عن تدهور سعر صرف الليرة مقابل الدولار الأمريكي؟ حيث يأتي غالب العرب فيصرفون ما لديهم من مال في أصقاع تركيا مضيفين إليها قيمةً كبيرة من العملات الصعبة، إضافة إلى تنشيط عجلة الاقتصاد التركي القائم أساسًا على السياحة!

فهل هذا جزاؤهم؟!

الثابت الذي رأيته أن بغض العرب غير مرتبط بالقضية الاقتصادية! بدليل أنهم لا يفعلون الشيء ذاته مع سائر السياح الأجانب!

ربما ارتبط كره العرب وبغضهم بقضية اجتماعية اقتصادية سياسية أخرى وهي وجود عدد ليس بالقليل من السوريين والعراقيين اللاجئين إلى تركيا واستحواذ هؤلاء على بعض الأعمال والأشغال والوظائف من قبل مشغلين أتراك بسبب قلة أجورهم مقارنةً بالترك.

أقول ربما؛ لأن هذا الاحتمال مدفوع أيضًا بجنسيات لاجئين محددة، فما ذنب سائر العرب من السياح الذين يأتون فترات قصيرة يصرفون الأموال لتنشيط الاقتصاد التركي!

فأنت تسمعهم يسبون العرب دون تصنيف! لسوري أو عراقي أو خليجي الخفالسباب عام للجميع وياللأسف.

ثم هناك معضلة كبيرة أخرى تواجهك عندما تزور تركيا حالياً وهي غلاء المعيشة والأسعار في كل شيء، ناهيك عن استغلال السياح الأجانب من بعض الترك ولا سيما سواق سيارت الأجرة.

السائح هناك يشعر كأنه فريسة يريد الجميع افتراس ما في جيبه من مال!

لم تكن السياحة يوماً هكذا وإلا فما كانت.

حوارات وعلامات استفهام كثيرة تشابكت في ذهني، كيف أن بلداً إسلاميًا عريقاً قد تناثرت أشلاؤه، وتبعثرت أجزاؤه، حتى تجمعت في قطعة حلقوم تركي شهير، تراها في كل مكان، شكلها جميل ولا طعم أو ريح لها؟!

ولا حول ولا قوة إلا بالله

تعليقين على “جمهورية الحلقوم”

التعليقات مغلقة.