التصنيفات
مقالات

من مظاهر عقدة النقص!

يروق لكثير من ثنائيي اللغة غالباً أن ينفثوا عُقَد نقصهم أمام غيرهم!

بحثاً عن إشباع هذه العقدة أو تلكعافانا الله – .

ومن مظاهر تلكم العقد النفسية، التي تصدر عن أمراض قلبية، وسلوكيات غير سوية، أن تكون جالسًا في مجلس مع أحدهم فيأتي آخرُ مِن شاكلة مَن تجالس من ثنائي اللغة فيتراطنان أمامك بلغتهم الأخرى؛ تعميةً لأمرهما، وتشفيةً لأنفسمها في إبراز شيء يتصوران أنما يمتازان به! نظراً لشعورهما العميق، بالنقص الحقيق، وبفجوة كبيرة عن الآخرين! ولا أبالغ أو أعدو الحقيقة في هذا! فلا مسوغ لهذا الصنيع إلا ذلك؛ بدليل النهي الوارد فيه كما سيأتي.

هذا من حيث البعد النفسي

فإذا نظرنا إلى هذا السلوك من زاوية أخلاقية إنسانية، فهو مناف تماماً للتعامل الحضاري، والرقي الإنساني، الذي ينبغي أن يتحلى به الإنسان في علاقته مع أخيه الإنسان!

أما إذا نظرنا إلى الأمر من ناحية شرعية، فالأمر عظيم! نبه فيه الشارع الحكيم، على سلوك أخلاقي قويم، ينتظم حياة الناس في كل الأقاليم.

ولا عجبفالرسالة الإسلامية جاءت في بعض أهم مشاعلها لترسخ مكارم الأخلاق وتكملها، كما في قول النبي إنما بعثت لأتمم صالح الأخلاق”. حديث صحيح رواه أحمد 8952، وغيره.

وبناءً على هذا المبدأ فقد حرص الإسلام على حفظ الحقوق والمشاعر على حد سواء. فجعل الاهتمام بعدم المساس بمشاعر المسلم تحديدًا، وغيره عموماً، من علامات استقامة سلوك المسلم مع الآخرين.

ولهذا، وفي مثل هذه الحالة التي ذكرت، فقد جاء الإسلام لينبه عليها كشأنه في كل ما يُصلح حياة الناس.

فنجد في سنة النبي القاطعة بحرمة كلِّ ما مِن شأنه أن يفسد العلائق، ويخرِّب النفوس، ويهدم الأواصر.

فقد نهى رسول الله عن ذلك فيما رواه عَبْد اللَّهِ بن مسعود رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ، قَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : إِذَا كُنْتُمْ ثَلَاثَةً، فَلَا يَتَنَاجَى رَجُلَانِ دُونَ الْآخَرِ حَتَّى تَخْتَلِطُوا بِالنَّاسِ ؛ أَجْلَ أَنْ يُحْزِنَهُ .رواه البخاري 6290. جاء في شرحه فتح الباري للحافظ ابن حجر:“وهو (أي:يتناجى) بلفظ الخبر ومعناه النهي وفي بعض النسخ بجيم فقط بلفظ النهي وبمعناه. زاد أيوب عن نافع كما سيأتي بعد باب: (فإن ذلك يحزنه)، وبهذه الزيادة تظهر مناسبة الحديث للآية الأولى من قوله: { ليحزن الذين آمنوا } يشير رحمه الله إلى الآيات الكريمات التي صدر البخاري رحمه الله بها الباب فجاءت مناسبةً للحديث، ومنها قوله تعالى ﴿إِنَّمَا النَّجوى مِنَ الشَّيطانِ لِيَحزُنَ الَّذينَ آمَنوا وَلَيسَ بِضارِّهِم شَيئًا إِلّا بِإِذنِ اللَّهِ وَعَلَى اللَّهِ فَليَتَوَكَّلِ المُؤمِنونَ﴾ [المجادلة: ١٠].

جاء في المختصر في التفسير:

“إنما النجوىالمشتملة على الإثم والعدوان ومعصية الرسولمن تزيين الشيطان ووسوسته لأوليائه؛ ليدخل الحزن على المؤمنين أنهم يُكادُ لهم، وليس الشيطان ولا تزيينه بضارّ المؤمنين شيئًا إلا بمشيئة الله وإرادته، وعلى الله فليعتمد المؤمنون في جميع شؤونهم”.

ولا يخفى على عاقل أن في هذا السلوك المعيب فتحاً لباب الظنون السيئة، والشكوك المريبة ونحوها مما يُحزن المسلم! فجاء النهي كديدنه دوماً سداً لهذا الباب الشيطاني، ورداً له من أصله.

وفي رواية صحيحة للترمذي : “إِذَا كُنْتُمْ ثَلَاثَةً فَلَا يَتَنَاجَى اثْنَانِ دُونَ صَاحِبِهِمَا . وَقَالَ سُفْيَانُ فِي حَدِيثِهِ لَا يَتَنَاجَى اثْنَانِ دُونَ الثَّالِثِ ؛ فَإِنَّ ذَلِكَ يُحْزِنُهُ . هَذَا حَدِيثٌ حَسَنٌ صَحِيحٌ، وَقَدْ رُوِيَ عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّهُ قَالَ : لَا يَتَنَاجَى اثْنَانِ دُونَ وَاحِدٍ ؛ فَإِنَّ ذَلِكَ يُؤْذِي الْمُؤْمِنَ، وَاللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ يَكْرَهُ أَذَى الْمُؤْمِنِ . وَفِي الْبَابِ عَنِ ابْنِ عُمَرَ، وَأَبِي هُرَيْرَةَ، وَابْنِ عَبَّاسٍ..ينظر جامع الترمذي 2825.

وإني لأعجب لحرص أحدهم على رضى صاحبه ومشاعره ممن هو على شاكلته! ، بمقابل عصيان النبي وانتهاك ما نهى عنه! وخدش مشاعر جليسه الآخر، وانتهاك حق من حقوقه بإحزانه وإيذائه نفسياً وشعورياً، وقد قال الله تعالى : ﴿أَتَخشَونَهُم فَاللَّهُ أَحَقُّ أَن تَخشَوهُ إِن كُنتُم مُؤمِنينَ﴾ [التوبة: ١٣]. وقد صح أن المَلائِكَةَ تَتَأَذَّى ممَّا يَتَأَذَّى منه بَنُو آدَمَ” رواه مسلم برقم: 564.

وقد قال سبحانه: ﴿وَالَّذينَ يُؤذونَ المُؤمِنينَ وَالمُؤمِناتِ بِغَيرِ مَا اكتَسَبوا فَقَدِ احتَمَلوا بُهتانًا وَإِثمًا مُبينًا﴾ [الأحزاب: ٥٨].

ويا للأسف (يحسبونه هيناً وهو عند الله عظيم).

وليُعلم أن ما ذكرته هنا لا علاقة له بازدراء أي لغة مهما كانت! فاللغات كلها آية من آيات الله. ولكن الكلام هنا موجه على حالة أخلاقية إنسانية بعينها بغض الطرف عن أي لغة كانت.

ولقد كنا نجلس مع أصدقاء غير مسلمين وكنا نحرص على عدم إيذاء مشاعرهم بجعلهم كـ( الأطرش في الزفة) كما تقول العامة! فكنا نتحدث أمامهم بما يفهمون من لغة تجمعنا بهم؛ كي لا نؤذيهم ونحزنهم ونجعل ظنونهم تأخذهم إلى أماكن غير مقصودة أساساً! وحتى لا يحسب ذلك على الإسلام حاشاه! نعم، كنا نفعل ذلك مع غير المسلمين! فما بالك لو كانوا إخوة لنا في الدين؟!

وأعيد مرةً أخرى أن الكلام هنا ليس موجَّهاً ضد لغة ما! ولكنها حالة عامة تنتظم ما يناظرها، فينبغي أن نضع كل شيء في موضعه الصحيح، وأن نتحدث في كل حال ما يليق بها، فلكل مقام مقال.

يمكنك أن تتكلم بلغتك الثانية مع من يشاركك فيها بينكما ما شئت! لكن ليس لك أن تجرح مشاعر الآخرين، وتنتقص كرامتهم، وتؤذي وجودهم؛ فتتكلم بها في حضرتهم مع من يشاكلك وكأنهم غير موجودين! ليس لك الحق أن تلغي وجودهم! وكأنكم لا تعلمون!

ليس لك الحق أن تؤذي إنسانيتهم وأنتم سامدون.

ليس لك الحق أن تخدش كرامة مَن تجالس في مجلسك، فهذا من العيب والعار قبل الحرام! ويتنافى مع حق الإنسانأي إنسان!، ومسلك يتنافى مع مروءة الرجال! فكيف إن كان جليسك مسلمًا فتنضاف إليه حقوق شرعية إضافية؟!

وإني لأدعو كل من يتعرض لانتهاك هذا الخلق القويم، بذاك السلوك العقيم، أن ينتهي عن مجالسة هؤلاء، فهم ليسوا أهلاً للعشرة والصحبة!

وأدعو كل من له كرامة أن لا يجلس في مجلس تُنتهك فيه كرامتُه، ويُلغى فيه وجودُه، ويُنتقص فيه منه، ويُستخف به فيه.

ثم هب نفسك يا صاحب هذا السلوك الشائن في محل مُجالِسك، هل ترضى أن يُتصرف في حضرتك بهذا التصرف؟

رحم الله أبا العتاهية إذ يقول:

أنصِفْ هُديتَ إذا ما كنتَ منتصفاً

لا ترضَ للناس شيئًا لستَ ترضاهُ

أحزن اللهُ قلبَ كلِّ مَن يكون سبباً في إحزان مسلم وإيذائه.

(ومَن لم يجعل اللهُ له نوراً فماله مِن نور).

تعليقين على “من مظاهر عقدة النقص!”

التعليقات مغلقة.