ثقافة اختلاف الآراء في فروع العلم هي ظاهرة إنسانية صحية طبيعية.
بعض المنتسبين إلى الإسلام يضيق صدرهم من الرأي المخالف! فيحولون الخلاف من خلاف في الرأي في مسألة فرعية فقهية إلى خلاف بين الحق والباطل، والإيمان والكفر! ويتعامون عن التراث الفقهي الضخم الذي خلفه السلف الصالح من خلاف فقهي قائم على تعدد الآراء، وتنوع النظر في الأدلة!
ولا ريب أن السلف نظروا إلى ذلك باعتباره خلافاً صحياً طبيعياً يعد مشكاةً تشع رحمة ولطفاً بالأمة.
المصيبة أن بعض من يمارسون هذه المهلكة ممن يسميهم الناس (نخب المجتمع)! وكثير منهم دكاترة!
عندما ترى مثل هذه العقليات تعلم كيف تخلفنا عن ركب الحضارة التي أسسها أجدادنا الأوائل، وتعلم مدى الفشل المزمن الذي تعانيه منظمومة التعليم في بلادنا.
الأحكام المسبقة هي أيضاً مظهر من مظاهر التخلف في حياتنا المعاصرة، مرد ذلك أفكار خاطئة كنا أخذناها على أنها مسلمات! وهي لا تعدو كونها مجرد اجتهادات!
ومن مظاهره كذلك فهم الأمور مجتزأة من سياقها، مبتورةً من أصولها…
من ذلك…امتعاض بعضهم عندما قلت: لا يوجد ما أحدثته بعض الأحزاب السياسية التي تلزق نفسها بالإسلام بتصنيف البنوك: بنوك ربوية وأخرى إسلامية! لأن تأصيل المسألة يقتضي ذلك!
فالنظام المالي للإسلام لا يمكن أن توجد فيه هذه الصيغة التي نسميها ( بنك) لأن فكرة البنك أصلاً هي من أدوات النظام المالي الرأسمالي الربوي! ففكرة كنز المال وجمعه من أيدي الناس ثم اللعب به هنا وهناك بأسماء عديدة منوعة سموها ما أنزل الله بها من سلطان بهدف الاستطالة في أكل أموال الناس بالباطل! هي أساس النظام المالي الرأسمالي!
وهي كما هو معلوم تجافي وتناقض النظام المالي في الإسلام الذي يقوم على أساس العدل والتنمية التي مدارها على أن المال وسيلة من وسائل الإنتاج الهادفة لتشغيل المجتمع وتنميته وازدهاره من خلال دورة عادلة تكافلية تكاملية تتم إدارتها وفقاً لأحكام الشريعة الإسلامية.
أما البنوك في زماننا فكلها تطل برأسها من مستنقع التوحش البرجوازي، والتغول الليبرالي، وهي محور النظام الرأسمالي الربوي!
فتأتي في خضم هذا النظام الذي لاعلاقة له بالإسلام وتقول سأقيم بنكاً إسلامياً يولد بموافقة بنك مركزي تجشأ بالربا! فهو ضرب من الوهم أو الإيهام أو الخيال، واللعب على الحبال!
القضية من ألفها إلى يائها لا تعدو أن تكون تلاعباً في الأسماء والمصطلحات! وترويجاً سمجاً لما سموه بنوكاً إسلامية! حيث هناك الكثير من المعاملات غير الشرعية تبرُع فيها تلكم البنوك المسماة إسلامية! في أكل أموال الناس بالباطل، ينظر مثلاً :رسالة دكتوراه في الأزهر( المخالفات الشرعية في معاملات البنك الإسلامي الأردني). ففيها مما يدل على أن الفرق بين البنوك لا يكاد يكون موجوداً إلًا فيما تسوّقه تلك البنوك من باب اللعب على مشاعر الناس بتسمية موبقاتهم بأنها إسلامية! والإسلام براء منهم ومما يعملون.
فالربا الصريح مثلاً هذا البنك يسميه فائدة! وذاك البنك يسميه مرابحة!
وعلى هذا فقس!
فغالب معاملاتهم لعب على الأسماء، والمضمون واحد!
والأمر في غالب الأحيان فيما يسمونه بنكاً إسلامياً يقوم على الحيل! فالتحايل على الدين هو المحور الذي تتمحور حوله جل عملياتهم لشرعنة معاملاتهم التي لا تختلف عن معاملات سائر البنوك إلا في الأسماء والحيل! فمرجعية المنظومة المالية الربوية التي تدير المشهد كله، ويرجع إليها الأمر كله واحدة! وهنا تحضر نظريتي التي أسميها (نظرية البكج) وهي تأبى إلا أن تحضر بقوة في زماننا هذا حيث منظومة الفساد متناغمة متكاملة ولا يمكنها إلا أن تكون كذلك كي تحقق أهدافها.
فأي حديث عن ترقيع هنا أو هناك في منظومة تشبعت فتقاً هو نوع من الهراء!
فالفتق عندما يتسع على الراقع لا يمكن بل لا فائدة من رتقه ورقعه!
ولا بد والحال هذه من تغيير ( البكج) كاملاً…
ولذلك فالحديث عن تغيير هنا وتغيير هناك بـ( أسلمة) نظام مالي تشبع بأكل الربا أضعافاً مضاعفة هو كمن يريد من أبي جهل أن يسلم!
وعليه تقاس سائر النُظُم في حياتنا.
فلا يمكن لشريعة الإسلام أن تعمل مع نظم أُخَر بنوع من التهجين!
شريعة الإسلام نظام متكامل إما أن يعمل جميعه على الهيئة التي شرعها الله، وإلا فلا يمكن أن يعمل بالوهم والإيهام، والتهجين والترقيع.
والله المستعان.