التصنيفات
مقالات

تصحيح المفاهيم(10) جهاد بالمال لا صدقة!

أعجب لكثير من الدعاة والخطباء وغيرهم عندما يدعون الناس إلى إغاثة المسلمين في الثغور الإسلامية التي تتعرض للظلم والعدوان والتنكيل من اليهود وغيرهم من أعداء الإسلام والإنسانية! وتكاد تنفلت حناجرهم وهم يحثون الناس على ذلك تحت عنوان الصدقات!

ولا أدري كيف غاب عنهم أن هذا من الواجبات الشرعية التي أمر الله بها المؤمنين! وما كان واجباً فلا يدعى صدقةً! ؛ لأن الصدقة أمر مندوب مستحب غير واجب كما هو معلوم عند الإطلاق. 

فتصوير الجهاد بالمال على أنه صدقة هو خطيئة في حق الداعي والمدعو!

والأصل إشاعة المفاهيم الشرعية الصحيحة كما جاءت في الكتاب والسنة. 

وإخال أنه لا يغيب عن هؤلاء الفضلاء مثل تلك النصوص الواضحة. 

فمن ذلك قوله تعالى:

﴿انفِروا خِفافًا وَثِقالًا وَجاهِدوا بِأَموالِكُم وَأَنفُسِكُم في سَبيلِ اللَّهِ ذلِكُم خَيرٌ لَكُم إِن كُنتُم تَعلَمونَ﴾ [التوبة: ٤١]. 

أي:ابذُلوا جُهدَكم واستَفرِغوا وُسْعَكم- أيُّها المؤمنونَ-في إنفاقِ أموالِكم في تجهيزِ الغُزاةِ، والإعدادِ للجِهادِ، وقتالِ الكُفَّارِ بأنفُسِكم؛ لإعلاءِ كَلِمةِ الله عزَّ وجلَّ  .

عن أنسِ بنِ مالكٍ رَضِيَ اللهُ عنه، أنَّ النبيَّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم قال: ((جاهدُوا المُشرِكينَ بأموالِكم وأنفُسِكم وألسِنَتِكم). (التفسير المحرر). والحديث صحيح معروف عند أهل العلم. 

وقوله جل شأنه:

﴿يا أَيُّهَا الَّذينَ آمَنوا هَل أَدُلُّكُم عَلى تِجارَةٍ تُنجيكُم مِن عَذابٍ أَليمٍ ۝ تُؤمِنونَ بِاللَّهِ وَرَسولِهِ وَتُجاهِدونَ في سَبيلِ اللَّهِ بِأَموالِكُم وَأَنفُسِكُم ذلِكُم خَيرٌ لَكُم إِن كُنتُم تَعلَمونَ ۝ يَغفِر لَكُم ذُنوبَكُم وَيُدخِلكُم جَنّاتٍ تَجري مِن تَحتِهَا الأَنهارُ وَمَساكِنَ طَيِّبَةً في جَنّاتِ عَدنٍ ذلِكَ الفَوزُ العَظيمُ ۝ وَأُخرى تُحِبّونَها نَصرٌ مِنَ اللَّهِ وَفَتحٌ قَريبٌ وَبَشِّرِ المُؤمِنينَ ۝ يا أَيُّهَا الَّذينَ آمَنوا كونوا أَنصارَ اللَّهِ كَما قالَ عيسَى ابنُ مَريَمَ لِلحَوارِيّينَ مَن أَنصاري إِلَى اللَّهِ قالَ الحَوارِيّونَ نَحنُ أَنصارُ اللَّهِ فَآمَنَت طائِفَةٌ مِن بَني إِسرائيلَ وَكَفَرَت طائِفَةٌ فَأَيَّدنَا الَّذينَ آمَنوا عَلى عَدُوِّهِم فَأَصبَحوا ظاهِرينَ﴾ [الصف: ٩-١٤]. 

فعلمنا بذلك أن بذل المال للمسلمين في الثغور هو جهاد في سبيل الله، وأنه سبب للفوز بالغفران، ودخول الجنان، وهو أيضاً سبب من أسباب النصر والتمكين. 

كما علمنا من هذه الآيات البينات أن السباق المتسق فيما ذكرت هو نتيجة حتمية للسياق بعده! أي: أن ما سبق كله هو تمثل كامل لأن يكون المؤمن من أنصار الله كما كان حواريو عيسى عليه السلام. 

قال الشوكاني في تفسيره:

 “ثم بيّن سبحانه هذه التجارة التي دلّ عليها فقال: {تُؤْمِنُونَ بِٱللَّهِ وَرَسُولِهِ وَتُجَـٰهِدُونَ فِى سَبِيلِ ٱللَّهِ بِأَمْوٰلِكُمْ وَأَنفُسِكُمْ } وهو خبر في معنى الأمر للإيذان بوجوب الامتثال، فكأنه قد وقع، فأخبر بوقوعه، وقدّم ذكر الأموال على الأنفس؛ لأنها هي التي يبدأ بها في الإنفاق والتجهز إلى الجهاد. قرأ الجمهور: {تؤمنون} وقرأ ابن مسعود: (آمِنوا، وجاهِدوا) على الأمر. قال الأخفش: {تؤمنون} عطف بيان لـ {تجارة}، والأولى أن تكون الجملة مستأنفة مبينة لما قبلها، والإشارة بقوله: {ذٰلِكُمْ } إلى ما ذكر من الإيمان والجهاد، وهو مبتدأ، وخبره: {خَيْرٌ لَّكُمْ } أي: هذا الفعل خير لكم من أموالكم وأنفسكم {إِن كُنتُمْ تَعْلَمُونَ } أي: إن كنتم ممن يعلم، فإنكم تعلمون أنه خير لكم، لا إذا كنتم من أهل الجهل، فإنكم لا تعلمون ذلك.”

وعن زيد بن خالد الجهني أنَّ رَسولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ قالَ: “مَن جَهَّزَ غَازِيًا في سَبيلِ اللَّهِ فقَدْ غَزَا، وَمَن خَلَفَ غَازِيًا في سَبيلِ اللَّهِ بخَيْرٍ فقَدْ غَزَا..” رواه البخاري برقم:  2843. وقوله : ( خلف غازياً) أي: قام مقامه في رعاية أهله.( ينظر: فتح الباري وغيره). 

فإن قال قائل ألم يقل الله تعالى: ﴿إِنَّمَا الصَّدَقاتُ لِلفُقَراءِ وَالمَساكينِ وَالعامِلينَ عَلَيها وَالمُؤَلَّفَةِ قُلوبُهُم وَفِي الرِّقابِ وَالغارِمينَ وَفي سَبيلِ اللَّهِ وَابنِ السَّبيلِ فَريضَةً مِنَ اللَّهِ وَاللَّهُ عَليمٌ حَكيمٌ﴾ [التوبة: ٦٠] فسمى الزكاة صدقة ً وأدخل فيها الجهاد في المال بقوله:( وفي سبيل الله)؟!

فأقول: بلى، ولكن المراد هنا بالصدقات هي الزكاة التي هي ركن من أركان الدين، والله تعالى يسمي ما شاء بما شاء، والحكم هنا عام يدخل فيه كل مصارف الزكاة! ولكنك ألا ترى أن القرآن الكريم عندما يكون سياق الكلام على الجهاد خاصةً فإنه يعبر عن ذلك بالجهاد بالمال كما مر في مواضع ذكرتُ لك بعضها ؟! وهذا لعظم منزلة الجهاد، وعلو شأنه. 

وتخصيص الخاص أولى من دخوله في العموم عند الحديث عنه. كما عبر القرآن الكريم نفسه بذلك. 

ثم فإن المعلوم أن إطلاق لفظ الصدقة يراد به الصدقة الطوعيّة لا الزكاة المفروضة كما هو معروف في كتب الفقه والحديث. 

على أنّ دخول الجهاد بالأموال في ضمن مصارف الزكاة في كتاب الله تعالى يدل على وجوبه، وأهميته. 

فلا يظنَّنَ مسلمٌ أن بذله المال في إغاثة المسلمين حال غزوهم والعدوان عليهم هو صدقة طوعية، بل هو عبادة ربانية يطيع الله تعالى بها حينما أمر بالجهاد بالمال. والله يغير من حال إلى حال…

    

تعليقين على “تصحيح المفاهيم(10) جهاد بالمال لا صدقة!”

جزاكم الله خيرا ،
مفهوم غاب عني ، غالبا مايتبادر إلى الذهن من أصابهم الزلزال والفيضان وماشابه ذلك من الكوارث أجارنا الله وإياكم والمسلمين منها ، ويغيب عنا من أصابهم البلاء حال غزوهم والعدوان عليهم ، فهؤلاء واجب نصرتهم على كل مسلم ، وإنما الأعمال بالنيات .

التعليقات مغلقة.