يتحسس بعضهم من أية لفظة أجنبية تغزو لغتنا بحكم التواصل الاجتماعي، والتطور المدني، فتراه باخعاً نفسه ليجد ما يترجم به تلك الكلمة ترجمةً يراها بديلاً عن الكلمة الأصلية التي عَبّر بها من اخترعوا ما تدل عليه تلك الكلمة! وهذا غالب ما يكون في المخترعات من الآلات والمأكولات والملبوسات والأدوات وحتى المصطلحات العلمية التي برع فيها أصحاب تلك اللغة القادمة إلينا.
ودونك مثلاً لذلك : تلفزيون، راديو، آيفون، كمبيوتر، آيباد، مايكرويڤ، لمبة، كباب، شيبس، تندوري، بيتزا، سكالوب، ستيك، شورت، طربوش، برنيطة… الخ.
ليس بالضرورة أن تترجم أو تعرب كل كلمة قادمة إلينا!
فأحياناً تلبس اللفظة لبوساً عربياً سلساً بلا عناء! لأسباب مختلفة منها: صعوبة الكلمة القادمة وسهولة ما يقابلها في اللغة المستقدِمة، ثم شيوعها واستعمالها على نطاق واسع، وتلقي الناس لها بالقبول، ولذلك أمثلة كثيرة، منها: ثلاجة، غسالة، جلاية، سيارة، نظارة، سترة، دراجة.
وأحياناً فجمال التعبير عن بعض الأشياء الغريبة القادمة إلينا هو أن تُسمى كما سماها أصحابها ومخترعوها!
وهذا لا يضير اللغة العربية أو أية لغة أخرى تكون في الموضع نفسه، بل ذلك يعد صورةً طبيعية لظاهرة طبيعية ألا وهي (تداخل اللغات)، وهو انعكاس جِبِلّي لتلاقي المدنيات والحضارات، كما جسده قوله تعالى: ﴿يا أَيُّهَا النّاسُ إِنّا خَلَقناكُم مِن ذَكَرٍ وَأُنثى وَجَعَلناكُم شُعوبًا وَقَبائِلَ لِتَعارَفوا إِنَّ أَكرَمَكُم عِندَ اللَّهِ أَتقاكُم إِنَّ اللَّهَ عَليمٌ خَبيرٌ﴾ [الحجرات: 13].
وهذا يدعونا إلى التفرقة بين ما سبق من ظاهرة لغوية طبيعية، وما لا يكون كذلك! وذلك عندما تتوغل تلك الظاهرة وتتوسع حتى تأخذ في التهام اللغة الأصيلة نفسها! فتبدأ بإحلال ما هب ودب من الكلمات والألفاظ الأجنبية مكان مرادفاتها من اللغة العربية على سبيل المثال؛ تأثراً بالمد الثقافي الغريب، هنا يبدأ الغزو الثقافي اللغوي الخطير غير الطبيعي وغير المقبول!
فعندما نبدأ باستعمال ألفاظ مثل: (ستايل) بدلاً من مظهر، و(ديزاين) بدل (تصميم) وحرف (X) إشارةً للزوج السابق! ونحوها مما يماثل كلمات موجودة أصالةً في لغتنا. أو كتلك المصطلحات التي بدأت تغزو صفحات التواصل؛ مما يؤدي مع الزمن إلى ذوبان الشخصية، وانحلال الهوية، وضياع اللغة.
ومع أننا نتحدث عن هذا الموضوع المهم فمن المناسب أن نوضح بعض المصطلحات التي تجتمع مع ما سبق في واد واحد؛ ليكون القارئ محيطاً بها، واعياً لها.
أذكر منها مصطلحي: (المُعَرَّب) و(الدّخيل).
فالمُعَرَّب هو اللفظ الأجنبي الذي غَيّره العرب بالنقص أو الزيادة أو القلب، كما عرّبوا التلفزيون تلفازاً، والبنطلون بنطالاً، والشيك، والطيلسان، والسيفون ونحوها.
والدخيل هو اللفظ الأجنبي الذي دخل العربية دون تغيير، كالأكسجين والتلفون والكمبيالة…الخ. (ينظر: المعجم الوسيط ص31).
فالمُعرَّب غالبه مقبول، ويخضع لاجتهادات مَجْمَعية أو فردية.
وأما الدخيل ففيه الطبيعي المقبول،وفيه غير الطبيعي المرذول. وأتمنى على القائمين على المجامع اللغوية العربية النهوض من سباتهم ووضع حدود للطفرة اللغوية الدخيلة، فلاتظل متروكةً تنهش في هذا الجيل، وحسبنا الله ونعم الوكيل.