التصنيفات
مقالات

كم نحن بعيدون عن النصر …!

هذه ( كم) الخبرية التي تفيد المبالغة في الدلالة على المراد. وليست الاستفهامية! فلم أردفها بعلامة الاستفهام. 

ولأنها كذلك…

فعندما أنعمت النظر في أحوال المسلمين في هذا الزمان دفعني ذلك إلى هذا العنوان. 

نعم، عندما يكون مفهومنا من الإسلام فهماً سطحياً ساذجاً فنحن بعيدون عن النصر. 

وعندما يكون مفهومنا من النصر عاطفياً لا شرعياً فنحن بعيدون عن النصر. 

وعندما نظن أن النصر مجاني بلا أثمان باهظة فنحن بعيدون عن النصر. 

وعندما نريد من غيرنا أن يدفع ثمن النصر، ونسلم نحن ومن نحب فنحن بعيدون عن النصر. 

وعندما نقدس الحدود التي رسمها العدو ونحتكم إليها، ونفتخر بها، ونتعصب لها، ثم ندعو الله أن ينصرنا عليه! فنحن بعيدون عن النصر. 

وعندما نفرغ عواطفنا بالصراخ والعويل ظانين أننا قمنا بواجبنا تجاه النصر والنصرة، ثم نرجع كما كنا في نقطة الصفر نمارس حياتنا الجاهلية فنحن بعيدون عن النصر. 

عندما لا نقدر على الكلمة ثم نظن أننا بخير فنحن عبيد بعيدون عن النصر. 

وعندما يكون محرك مشاعرنا هو العصبية للقبيلة أو المكان أو أي شكل من أشكالها وليس للإسلام فنحن بعيدون عن النصر. 

وعندما نعيش انفصام الشخصية في وجهين أو أكثر، ندعو الله أن ينصرنا على الظالم، ثم نصفق وندعو لظالم آخر يعين الظالم الأول أن يوفقه الله في التفنن في ظلمه فنحن بعيدون عن النصر. 

وعندما يكون علماء الدين مزورين لا موقعين عن رب العالمين إلا من رحم ربي فنحن بعيدون عن النصر. 

وعندما يكون تمسكنا بالإسلام لا يساوي أكثر من شعارات ومنشورات على حسابات التواصل الاجتماعي، تخفي خلفها نفوساً لم تجعل الإسلام أكثر من ذلك، فنحن بعيدون عن النصر. 

وعندما تكون الدنيا محور حياتنا، وأكبر همنا، فنحن بعيدون عن النصر. 

وعندما تكون الأكثرية منا مجاميع من الدجالين الكذابين الأفاقين خداماً للظالمين، فنحن بعيدون عن النصر. 

وعندما تكون من تسمي نفسها (نُخَباً مثقفةً) أبواقاً لمن يدفع لها أكثر، فنحن مجتمع مزيف، بعيدون عن النصر…

وعندما تكون لدى كثير منا قابلية بل دافعية! في التحرر من الالتزام الشكلي بالدين، والالتحاق في ركب المنافقين مع أول إشارة، فنحن بعيدون عن النصر. 

وعندما يكون غالبنا حريصاً في إصلاح دنيا ظالمه بتضييع دينه، فنحن بعيدون عن النصر. 

وعندما نقدم عرقنا ومالنا وحياتنا وأعمارنا لظالمنا ويمن علينا بقبولها، فنحن بعيدون عن النصر. 

وعندما نقدم الحمد والشكر للظالم على نعم الله علينا، فنحن بعيدون عن النصر. 

وعندما نخلد إلى الأرض، ونركن إلى الذين ظلموا، ثم إلى الذين كفروا، فنحن بعيدون عن النصر. 

وعندما تكون الأخوة في الدين لا تعدو الكلام والوجوه الصفراء التي تخفي حسداً وغيرةً وتنافساً في الدنيا لا الدين، فنحن بعيدون عن النصر. 

وعندما نكون أشداء على بعضنا بعضاً، رحماء على الكفار، فنحن بعيدون عن النصر. 

وعندما تكون العلاقات بين المسلمين محكومةً بالمنافع والمصالح لا بالدين وهدي الإسلام، فنحن بعيدون عن النصر. 

وعندما يكون المجتمع مفككاً منخوراً منافقاً مجاملاً منفصم الهوية متماهياً مع إرادة العدو الذي ندعو بأن ينصرنا الله عليه، فنحن بعيدون عن النصر. 

عندما نعرف تقويمنا في صيامنا وأعيادنا ثم نحتفل بتقويم غيرنا ونقدسه، فنحن بعيدون عن النصر. 

وعندما لا ننصر الإسلام نفسه الذي وعدنا بالنصر إذا اعتززنا وتمسكنا به لا بغيره، فنحن بعيدون عن النصر. 

وعندما لا يكون الإسلام متمكناً في نفوسنا وتفاصيل حياتنا فلن يكون هناك نصر. 

فقد كتب الله على هذه الأمة:

﴿يا أَيُّهَا الَّذينَ آمَنوا إِن تَنصُرُوا اللَّهَ يَنصُركُم وَيُثَبِّت أَقدامَكُم﴾ [محمد: ٧]

﴿وَلَيَنصُرَنَّ اللَّهُ مَن يَنصُرُهُ إِنَّ اللَّهَ لَقَوِيٌّ عَزيزٌ﴾ [الحج: ٤٠]. 

أرأيتم كم نحن بعيدون عن الإسلام؟ فما بالك بالنصر! فذاك دونه خرط القتاد! والله لطيف بالعباد.