التصنيفات
مقالات

في فلسفة الزواج …

يخطئ كثير من الأزواج عندما يظن أن العلاقة بين الزوجين هي علاقة تكاملية! بمعنى أن أحدهما يكمل الآخر، وأنه نصفه الآخر الذي يبحث عنه … إلى ما هنالك من تصورات خاطئة أشبعتنا منها الدراما الموجهة للمجتمع المسلم المعاصر.

والصواب هو أن ننظر إلى العلاقة الزوجية على أنها علاقة تشاركية بمعنى أن كلاً من الزوجين شريك للآخر في هذه الحياة.

وبناءً على هذا التصور فلابد من إسقاط مفهوم التشاركية بصورة صحيحة على مكنون العلاقة الزوجية كي نفهمها وكي يتسنى لنا المضي قدماً فيها.

ومفهوم التشاركية لا يعني أبداً الملكية! بمعنى أن الشريك يملك شريكه! ولا يعني أن الشريك ينبغي أن يكون قد جاء مفصلاً على ما يهوى الشريك الآخر!

فكل إنسان لديه حسنات وسيئات، من غلبت حسناته كان جديراً بالبقاء في هذه الحياة التشاركية ( الزوجية).

ومن خفت حسناته واستشرت سيئاته فلا سبيل إلى استمرار هذه العلاقة أصلاً ولست مطالباً بتحملها والصبر على عنائها.

فالقرآن الكريم لخص لنا هذه العلاقة بكلمات أربع فقال سبحانه:”﴿فَإِمساكٌ بِمَعروفٍ أَو تَسريحٌ بِإِحسانٍ ﴾ [البقرة: ٢٢٩].

أقول ما سبق لكي لا يرفع أحد سقف توقعاته من شريكه الآخر! بأن يكون كما في الأحلام والخيال.

الواقع غير الخيال…

وينبني على ذلك تصحيح مفهوم الحب بين الرجل والمرأة كما وضحته في مقالة سابقة عنوانها (خاطرة في الحب)، فليُرجع إليها.

فإذا استبان لنا مفهوم الحب الحقيقي من جهة الرجل ثم من جهة المرأة ونظرة كل منهما إليه، ثم توضح لنا ماهية العلاقة بينهما فسوف تكون الحياة الزوجية أكثر سعادة ومتعة وسهولة وسلاسة.

وقبل أن أنهي هذا الموضوع أجدني لا أنسى أن ما سبق يحتم على كل شريك أن يتقبل شريكه كما هو إن كان يحبه محبةً حقيقية قائمة على مفهوم الحب الذي أشرت إليه سابقاً.

ولا يطالبه بأي تغيير في ركائز شخصيته العامة! فهذا النوع من التغيير يكون مستحيلاً في غالب الأحوال.

أما التغيير في بعض الأنماط والتصرفات والسلوكيات التي يمكن تحقيقها فلا بأس في ذلك فهو من جنس المقدور عليه، ولاسيما إن كان في ذلك التغيير دعم لمؤسسة الزواج واستمراريتها، فالطرفان الزوجان الشريكان مطالبان بهذا النوع من التغيير الإيجابي النابع من وازع الحب والاحترام.

وليحذر الشريكان كل الحذر من مفهوم خطير تسلل إلينا من تلكم الدراما الخبيثة الغريبة التي لا تمت إلى ديننا وثقافتنا بصلة!

وهذا المفهوم الخطير الخاطئ هو أن الشريك ملك لشريكه!

ولعمر الحق فهذه هي الداهية التي تصيب العلائق بمقتل دوماً.

فالتشاركية تجافي تماماً هذا التصور غير الأخلاقي وغير الإنساني.

ويزداد الأمر ضراوةً وبشاعةً عندما تحضر الأنانية المقززة بأظافرها لتنهش مقومات هذه العلاقة فتفسدها غاية الإفساد، وذلك حينما يكون مفهوم التملك منحصراً في شريك دون الآخر! ويزداد الأمر سوءًا وبعداً عن العقلانية والأخلاقية والشرعية عندما يتسلل هذا المفهوم إلى المرأة تحديداً تبعاً لمؤثرات عدة منها ماذكرته ومنها طبيعة التكوين الثقافي السيء للمرأة، كتأثرها بحركة النسوية ونحوها من الأفكار والحركات الهدامة.

والأحرى بالمرأة هنا أن تفهم أنها لا تملك شريكها كما أنه لا يملكها!

فلا تطالبه بما لا تطالب به نفسها.

فهو ليس عقاراً أو أثاثاً كُتب باسمها.

فله ما أباحه الشرع من التعدد إن كان قادراً عليه مستطيعاً للعدل المادي فيه، وعليها أن لا تعترض على حق أعطاه إياه الشارع الحكيم.

أما أن تحصر حياته وتحجرها عليه بها فهذا مما لم يأذن به الله، وسيعود بنا إلى عقلية التملك الحمقاء، والأنانية النكراء، والكاثوليكية الشوهاء.

ولا أريد الكلام هنا على موضوع التعدد فهذا له فلسفته الخاصة، ولكنني أستدعيتُه بوصفه مثالاً على جزئية التملك ليس إلا.

أما الرجل فالأمر عائد إليه في ذلك! فهو حق آتاه الله إياه، فهو سبحانه مَن خَلقَ الزوجين الذكر والأنثى، وهو أعلم بمن خلق جل جلاله، ﴿أَلا يَعلَمُ مَن خَلَقَ وَهُوَ اللَّطيفُ الخَبيرُ﴾؟![الملك: ١٤].

فإذا أخذنا بعين الاعتبار مفهوم الحب ومفهوم العلاقة بين الزوجين وأن طبيعة المرأة تختلف عن طبيعة الرجل، ونظرتها وتوقعاتها تختلف عنه فـ( ﴿لَيسَ الذَّكَرُ كَالأُنثى﴾ [آل عمران: ٣٦] فقد لا تلبي توقعات الرجل جلَّها أو كلها، فكان من حكمة الله تعالى كي تسلم هذه العلاقة ويسلم المجتمع بأسره أن يضيف الرجل امرأة أخرى إلى حياته في ضمن إطار التشاركية التي ينضوي مفهومها وسائر المفاهيم الأخرى التي ذكرتها تحت حكم الشرع الحنيف الذي نحتكم إليه في كل أمورنا في كل زمان ومكان.

ولقائلةٍ أن تقول: فماذا إن لم يلبِّ الرجل توقعات المرأة؟! فأقول: في الغالب فإن سقف توقعات المرأة واحتياجاتها من الرجل تنحصر في أكثرها في الماديات ولوازم العيش، أما الأمور الأخرى فهي أقل بكثير من احتياجات الرجل! ولذلك فالمرأة السوية تكتفي برجل واحد، فإن كان ذلك الرجل أقل من سقف توقعاتها المادية والمعنوية فلها طلب الانفصال والتسريح بإحسان. ولْيُغْنِ اللهُ كلاً من سعته. ﴿وَإِن يَتَفَرَّقا يُغنِ اللَّهُ كُلًّا مِن سَعَتِهِ وَكانَ اللَّهُ واسِعًا حَكيمًا﴾ [النساء: ١٣٠].

فإن رأى أن التعدد سيكون سبيلاً لاستقرار حياته وسويتها وكان قادراً عليه فله ذلك، وإلا فليكتفِ بما لديه وليرضَ ولا يسخط.

فعن أنس بن مالك رضي الله عنه عَنِ النَّبيِّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ، أنَّهُ قالَ: “إنَّ عِظَمَ الجزاءِ مَعَ عِظَمِ البلاءِ، وإنَّ اللهَ عزَّ وجلَّ إذا أحبَّ قومًا ابتلاهُمْ، فمَنْ رَضِيَ فلَهُ الرِّضى، ومَنْ سَخِطَ فلَهُ السُّخْطُ”(حديث حسن، رواه الترمذي 2398 وحسنه، والبغوي في شرح السنة 1435، وغيرهما).

وينبغي أن لا يغيب عن أذهاننا دوماً، بأن التعدد كغيره من أمور حياتنا، محكوم بالإطار الشرعي العام، الذي ينتظم علائق الناس في الإسلام.

وعلى مَن رضي بالله رباً وبالاسلام ديناً وبمحمد ﷺ نبياً أن لا يتجاوز قول الحق تبارك وتعالى:

﴿إِنَّما كانَ قَولَ المُؤمِنينَ إِذا دُعوا إِلَى اللَّهِ وَرَسولِهِ لِيَحكُمَ بَينَهُم أَن يَقولوا سَمِعنا وَأَطَعنا وَأُولئِكَ هُمُ المُفلِحونَ ۝ وَمَن يُطِعِ اللَّهَ وَرَسولَهُ وَيَخشَ اللَّهَ وَيَتَّقهِ فَأُولئِكَ هُمُ الفائِزونَ﴾ [النور: ٥١-٥٢].

والله يهدي من يشاء إلى صراط مستقيم.

6 تعليقات على “في فلسفة الزواج …”

إي والله، الدراما لم تدع لنا مخرجا ، لو أعطيت للمقبلين على الزواج هذه المعلومات والنصائح الشرعية والاجتماعية ،لما رأينا هذا الانفلات والطلاق المنتشر فالمجتمعات المسلمة ويا للأسف،

جزاكم الله خيرا، وبارك في جهدكم .

التعليقات مغلقة.