لا عدالة في هذه الحياة الدنيا…!
وطبيعي جداً فهي دنيا!
فلا تتعب نفسك، ولا ترهقها بالتفكير.
عندما يغيب شرع الله عن هذه الأرض، فلن تجد شيئًا في مكانه!
ستجد العاقل متعبًا منهكاً، لا يكاد يفي بقُوته، وما يقيم به حياته.
وتجد الجاهل ينعم بأضعاف ما يشقى به العاقل ليحصل عليه! دون كد أو تعب!
سترى الدنيا بأيدي الجاحدين، وغير المستحقين.
وترى المؤمنين تلفح وجوههم الحاجة، وينخر أجسادهم الحرمان!
وهكذا عندما يختل الميزان بالطغيان، سترى ما ترى!
وهي نتيجة حتمية لذلك:
﴿وَالسَّماءَ رَفَعَها وَوَضَعَ الميزانَ أَلّا تَطغَوا فِي الميزانِ وَأَقيمُوا الوَزنَ بِالقِسطِ وَلا تُخسِرُوا الميزانَ﴾ [الرحمن: ٧-٩].
فالله وَضَعَ فِي الأَرْضِ العَدْلَ.
فطغى الطاغون من خلقه واعْتَدَوا، وَخانُوا، بتنكبهم ما أمرهم به، فاختلت الموازين، وانقلبت المعايير، ورُفع العدل من الأرض.
في هذه الحال…ليست وظيفتك إصلاح هذه الأرض التي أُنهكت من خلْق متتابع فساداً وإفساداً، وسفكًا للدماء!
عند استقراء القرآن الكريم والذي فيه نبأ مَن قبلنا وخبر مَن بعدنا!
وجدتُ أن الله تعالى قضت سنته في الأمم السابقة الذين طغَوا في البلاد، وأكثروا فيها الفساد، أن يجازيهم ويبيدهم حالما يبلغون القمة في طغيانهم.
﴿وَكَم أَهلَكنا مِن قَريَةٍ بَطِرَت مَعيشَتَها فَتِلكَ مَساكِنُهُم لَم تُسكَن مِن بَعدِهِم إِلّا قَليلًا وَكُنّا نَحنُ الوارِثينَ﴾ [القصص: ٥٨]
ولكن…في آخر الزمان، وعندما تقترب القيامة، فالأمر في الغالب سيؤخَّر إليها، فالموعد قريب!
وأنا أتكلم على هذه الفترة تحديدًا، وهي التي تعنينا، وهي التي ابتلينا بالعيش فيها.
نعم. لقد بلغ أهل الأرض اليوم القمة في الفساد والإفساد، والتفنن في إهلاك الحرث والنسل.
الطغيان في كل شيء… من الفرد إلى الأسرة مروراً بالمجتمع ووصولًا إلى النُظُم السائدة.
يخبرنا القرآن الكريم بأن بلوغ القمة في الطغيان والفساد في آخر الزمان، وبين يدي الساعة، لا حاجة فيه لآيات الله في أهل الطغيان بإهلاكهم وأخذهم كمن سبقهم، بل تَركَهم لمصيرهم المحتوم، ويومهم المشؤوم، وموعدهم المعلوم، ألا وهو علامات الساعة الكبرى، وقيام القيامة! فهو أمر فيه من الأهوال مالا تدركه الأبصار، أو تبلغه الأنظار!
﴿حَتّى إِذا أَخَذَتِ الأَرضُ زُخرُفَها وَازَّيَّنَت وَظَنَّ أَهلُها أَنَّهُم قادِرونَ عَلَيها أَتاها أَمرُنا لَيلًا أَو نَهارًا فَجَعَلناها حَصيدًا كَأَن لَم تَغنَ بِالأَمسِ كَذلِكَ نُفَصِّلُ الآياتِ لِقَومٍ يَتَفَكَّرونَ﴾ [يونس: ٢٤]
وإنهم لمدركون، ولكننا قوم مستعجلون، وهذه طبيعة هذا الإنسان! لا يدرك أن الزمن عند الله ليس كزمننا الأرضي!
﴿وَإِنَّ يَومًا عِندَ رَبِّكَ كَأَلفِ سَنَةٍ مِمّا تَعُدّونَ﴾ [الحج: ٤٧]
يبدو لي أن الله سبحانه قد تركهم وما يفسدون؛ لأن موعدهم أشراط الساعة، ﴿وَالسّاعَةُ أَدهى وَأَمَرُّ﴾ [القمر: ٤٦].
ولأن الرسول محمداً ﷺ إنما كان خاتم النبيين لأنه بُعث مع اقتراب الساعة، كما في حديث سهل بن سعد الساعدي، أن رسول الله ﷺ قال:” بُعِثْتُ أنا والسَّاعَةَ كَهذِه مِن هذِه، أوْ: كَهاتَيْنِ وقَرَنَ بيْنَ السَّبَّابَةِ والوُسْطَى”.صحيح البخاري 5301.
ولذلك فقد أشار القرآن الكريم إلى هذه الحقيقة، فقال سبحانه:﴿وَما يُدريكَ لَعَلَّ السّاعَةَ تَكونُ قَريبًا﴾ [الأحزاب: ٦٣].
وتبقى القضية بل المصيبة فيمن يعيش في هذه الفترة بين أظهر المفسدين، وقد كثر الخبث، وطغى الغث، وساد العفن!
العاقل اللبيب من يحسن إدارة حياته دينياً ودنيوياً، في خضم هذه الظلمات!
وهذا يتجلى في كيفية تعامله مع نفسه، ومع محيطه؛ كي يسلم من الفتن ما استطاع سبيلاً .
وذكرتُ في مقالة سابقة كيفية ذلك وفق الكتاب والسنة، فلينظر.
وهنا أزيد شيئاً بأن لا يجعل العاقل همه الناس أو العامة! بل يجعل نفسه بوصلته، وحسب!
ركِّز على نفسك بأن تنجو، واجعل هذا همك، ولا عليك بغيرك.
فقد وصلنا إلى الزمان الذي يسقط فيه الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر؛ لكثرة الأشرار، وندرة الأخيار، وانعدام المعين.
لا تبحث عن عدالة بينهم. لا تبحث عمن ينصفك، أو يعطيك حقك، عليك بانتزاعه غِلاباً، لن يجدي أن تكون مبادئياً ومستقيماً في مجتمع أعوج!
لن يجدي أن تكون مثالياً في مجتمع غير مثالي!
لا بد من مكابدتهم كي لا تصطدم بفسادهم الحتمي بما لا يخالف الشرع. أحياناً ستُضطر لسلوك منهجهم في الشفاعات أو ما يسمى ( الواسطات)، كي تصل إلى حقك! هم يشفعون شفاعات سيئة، وأنت عليك بتحويلها إلى حسنة! وإلا ستضيع كثير من حقوقك في مجتمع لا يعرف غير هذا السبيل.
وحسبنا الله ونعم الوكيل.
لا تنتظر من يقدرك، فهم قوم تافهون لا يقدرون سوى التافهين والتافهات، والساقطين والساقطات.
لا ترفع سقف توقعاتك منهم بل اجعلها في الحضيض، كواقعهم.
لا تتعلق بزمان ولا مكان ولا إنسان! تعلّق بنفسك وارعها واأْنس بها. واركَن إليها. فالأفضل فيهم لن يكون كأقل ما تتوقع!
وكأن الله تركهم وما يفسدون وما يعملون؛ استدراجًا لهم ليوم تذهل فيه الأنظار، وتشخص فيه الأبصار!
﴿وَلا تَحسَبَنَّ اللَّهَ غافِلًا عَمّا يَعمَلُ الظّالِمونَ إِنَّما يُؤَخِّرُهُم لِيَومٍ تَشخَصُ فيهِ الأَبصارُ﴾ [إبراهيم: ٤٢].
﴿فَذَرهُم يَخوضوا وَيَلعَبوا حَتّى يُلاقوا يَومَهُمُ الَّذي يوعَدونَ﴾ [الزخرف: ٨٣]
مشكلتنا ومصيبتنا، في فترة الترك هذه.
علينا بالصبر، فهذه أيامه، ولا سبيل لنا للخلاص والنجاة سوى ذلك! وإلا فإن نفس المؤمن ستتقطع حسراتٍ وألماً على واقعه. ﴿فَلا تَذهَب نَفسُكَ عَلَيهِم حَسَراتٍ إِنَّ اللَّهَ عَليمٌ بِما يَصنَعونَ﴾ [فاطر: ٨].
عَنْ عُلَيْمٍ ، قَالَ : كُنَّا جُلُوساً عَلَى سَطْح مَعَنَا رَجُلٌ مِنْ أَصْحَابِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ . قَالَ عُلَيْم: لا أَعْلَمُهُ إِلا عَبْساً الْغِفَارِي ، وَالنَّاسُ يَخْرُجُونَ فِي الطَّاعُونِ ، فَقَالَ عَبْسٌ : يَا طَاعُونُ خُذْنِي ، ثَلاثاً يَقُولُهَا، فَقَالَ لَهُ عُليمٌ : لِمَ تَقُولُ هَذَا ؟ أَلَمْ يَقُلْ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : “لاَ يَتَمَنَّى أَحَدُكُمُ الْمَوْتَ ، فَإِنَّهُ عِنْدَ انْقِطَاعِ عَمَلِهِ ، وَلَا يُرَدُّ فَيُسْتَعْتَبَ” :فَقَالَ : إِنِّي سَمِعْتُ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ : ( بَادِرُوا بِالْمَوْتِ ستًا : إِمْرَةَ السُّفَهَاءِ [وَكَثْرَةَ الشُّرَطِ ] ، وَبَيْعَ الْحُكْمِ ، وَاسْتِخْفَافاً بِالدَّمِ ، وَقَطِيعَةَ الرَّحِم ، ونشْأً يَتَّخِذُونَ الْقُرْآنَ مَزَامِيرَ يُقَدِّمُونَهُ يُغَنِّيهِمْ وَإِنْ كَانَ أَقَلَّ مِنْهُمْ فِقهًا” ..
روي بأسانيد كثيرة، وهو عند الطبراني في المعجم الكبير 18/ 32، والأوسط 1/ 212 برقم 685 بإسناد صحيح. وبيع الحكم: كل ما تَحَصَّل عليه من وُلِّيَ أمراً بحكم منصبه مما لا يجوز له، ومما لا يمكنه التحصُّل عليه لولا ولايته!كالرشوة وغيرها.
خذها من مجرِّب، ولا تعطي الأمور فوق توصيف الله تعالى لها.
وتعايش معها وفقاً للمنهج الذي تقدمت الإشارة إليه!
والله يهدي من يشاء إلى صراط مستقيم.
3 تعليقات على “لا عليك…”
[…] حياةً سميت بأنها (دنيا) ولها وقت معلوم، ولكل نفس فيها أجل محتوم، قد يطول وقد […]
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
أرجو من الله تعالى ان تكون على صحة وعافية
بعد التحية أفيدكم علما بأنني قد طالعت تحقيقكم على كتاب السجاوندي ” الوقف والابتداء” مصنفه الشيخ محمد بن طيفور السجاوندي المدفون بسجاوند
السجاوند منطقة مشهورة في ولاية لوجر في يلي كابل افغانستان، و مدفنه مرجع الخاص والعام، وأنا ايضاً من هذه الولاية.
محمد عارف عرفان
الساكن في كابل
وعليكم السلام ورحمة الله وبركاته.
حياك الله أخي الكريم.
وشكراً لك على هذه المعلومات القيمة، نفع الله بك، وبارك فيك.
ولأنك قرأت تحقيقي لكتاب السجاوندي رحمه الله فلعلك لاحظت أني رجحت أن ( سجاوند) هي إحدى القرى في تلك الأنحاء.
شكراً لك مرةً أخرى لأن تعليقك وافق ما ذهبت إليه. والحمد لله الذي بنعمته تتم الصالحات.