ترد إليَّ أدعية في الصباح والمساء، على صورة بطاقات صورية، وفي كثير منها أخطاء وأخطاء!
لن أتطرق هنا إلى الأخطاء اللغوية والنحوية أو الكتابية! فهذا أمر طويل؛ لكثرة تلكم الأخطاء، التي لا تليق بلغتنا العربية الجميلة، والتي تعكس الضحالة الثقافية، والجهالة اللغوية، لمن يصمم تلك البطاقات، وهو بلا شك يعد مظهراً من مظاهر تردي المستوى الثقافي والدراسي الذي وصلت إليه أجيالنا وياللأسف! وقد أشرت في مقالة سابقة إلى ذلك وأسبابه.
جاء في الحديث قوله ﷺ:” يكونُ في آخِرِ الزمانِ قومٌ يعتَدونَ في الدعاءِ والطُّهورِ”.(حديث صحيح، رواه البغوي في شرح السنة 279، وأبو داوود 96، وغيرهم).
- فمن الأخطاء الشرعية، وصور الاعتداء في الدعاء: اشتراط بعضهم لدعائه وقتاً محدداً يحدده لله! تعالى الله عما يقولون.
فتراه يقول:”في هذا الصباح اللهم كذا وكذا…” أو :” في يوم الجمعة اللهم كذا وكذا…” وهذا جهل عظيم، واعتداء جسيم، لا يليق في مقام مخاطبة الرب سبحانه وتعالى. فالأصل أن يدعو الله سبحانه دون أن يحدد وقتاً لدعائه مادام أن الدعاء عام لا خاص بنص صريح صحيح.
- ومن الصور الأخرى التي تتجلى فيها جهالة الداعي، قول بعضهم:” اللهم اجعل هذا اليوم أو هذا العام شفاء لكل مريض، وفرجاً لكل مهموم… ” الخ.
وهذا الدعاء مخالف لما ورد في أدعية الكتاب والسنة الصحيحة!
فلا نرى في القرآن الكريم دعاء عاماً إلا أن يكون موجهاً للمؤمنين خاصاً بهم دون العالمين، كدعاء إبراهيم ﷺ: ﴿رَبَّنَا اغفِر لي وَلِوالِدَيَّ وَلِلمُؤمِنينَ يَومَ يَقومُ الحِسابُ﴾ [إبراهيم: 41].
ودعاء نوح ﷺ: ﴿رَبِّ اغفِر لي وَلِوالِدَيَّ وَلِمَن دَخَلَ بَيتِيَ مُؤمِنًا وَلِلمُؤمِنينَ وَالمُؤمِناتِ وَلا تَزِدِ الظّالِمينَ إِلّا تَبارًا﴾ [نوح: 28].
أما أن يشمل الدعاء المؤمنين والكافرين بلفظ( كل)! فهذا لا نجده في كتاب ولا سنة صحيحة.
- ومن صوره كذلك التفصيل في الدعاء، وكأن الداعي يريد أن يوضح لله كيف يعينه ويساعده وما يصلح له أمره! وهذا مما نهى عنه النبي ﷺ، حيث وجَّهَنا إلى الإجمال في الطلب والمسألة، فقال عليه الصلاة والسلام: إنَّ أحدَكم لن يموتَ حتى يستكملَ رزقَه ، فلا تستبطِئُوا الرِّزقَ ، واتقوا اللهَ أيها الناسُ ، وأَجمِلوا في الطَّلبِ ، خُذوا ما حلَّ ، ودَعوا ما حَرُمَ”. (صحيح ابن حبان 3239، والحاكم في المستدرك 2/ 4 ، وقال:صحيح على شرط الشيخين ، ووافقه الذهبي والألباني في الصحيحة 2607، وهو كما قالوا).
وورد في حديث عبد اللهِ بنَ المُغفَّلِ أنه سمِع ابنًا له يقولُ في دعائِه : “اللَّهمَّ إنِّي أسأَلُك القصرَ الأبيضَ عن يمينِ الجنَّةِ، قال : يا بُنَيَّ، إذا سألتَ فاسأل اللهَ الجنَّةَ وتعوَّذْ به مِن النَّارِ، فإنِّي سمِعْتُ رسول الله صلَّى اللهُ عليه وسلَّم يقولُ : ( يكونُ في آخر الزمان قومٌ يعتَدونَ في الدُّعاءِ والطَّهورِ )”.(صحيح ابن حبان 6763، بإسناد على شرط مسلم كما قال شعيب الأرناؤوط).
- ومن صور الاعتداء في الدعاء رفع الصوت والصراخ! وهذا أيضاً مما نهينا عنه كما في حديث أبي موسى الأشعري رضي الله عنه قال:” كُنَّا مع رَسولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ، فَكُنَّا إذَا أشْرَفْنَا علَى وادٍ، هَلَّلْنَا وكَبَّرْنَا ارْتَفَعَتْ أصْوَاتُنَا، فَقالَ النبيُّ صَلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ: يا أيُّها النَّاسُ ارْبَعُوا علَى أنْفُسِكُمْ، فإنَّكُمْ لا تَدْعُونَ أصَمَّ ولَا غَائِبًا، إنَّه معكُمْ إنَّه سَمِيعٌ قَرِيبٌ، تَبَارَكَ اسْمُهُ وتَعَالَى جَدُّهُ”. (أخرجه البخاري (2992)، ومسلم (2704)).
- ومن صور الاعتداء في الدعاء تخصيص مكان له في بعض العبادات لم ترد به السنة النبوية الصحيحة!
كلزومهم الدعاء في آخر خطبة الجمعة! وهو من البدع المحدثة التي أشار إليها أهل العلم. (السنن والمبتدعات 90).
هذا، والله أعلم، وهو الموفق والهادي إلى الصواب.