التصنيفات
مقالات

الإسلام بين أعدائه وعقوق أبنائه!

مرةً أخرىأعود إلى علم الاجتماع السياسي من منظور إسلامي

حاورني بعض الأحبة حول ما آلت إليه أوضاع الأمة في كل الصُعُد عازياً ذلك إلى النُّظُم السياسية!

فقلت له: فهأناذا وأنت نعيش تحت هذه النظم ولم نغير من مبادئنا وأخلاقنا!

الذي يتذرع بالكذب وسيء الأخلاق ومنكرها بمثل هذه الذرائع هو فاسد أصالةً!

فمنظومة المبادئ والقيم والأخلاق التي جاء بها الإسلام لا تتغير بتغير الزمان أو المكان أو الظروف التاريخية أو الاقتصادية أو السياسية!

فلا يتذرعنْ أحدنا بسوئه لأنه وُجد في وسط سيء! فالأخلاق هي الأخلاق، والمبادئ هي المبادئ، والقيم هي القيملا تتغير ولا تتجزأ بتغير الظروف

ولقد كانت أخلاق الصحابة رضي الله عنهم أجمعين واحدةً في كل الأحوال والظروف!

وقد أسلم غالب مَن أسلم من سكان جنوب شرق آسيا بسبب ما رأَوه من أخلاق التجار المسلمين!

على أني لا أنكر أن شيوع الفواحش والفساد في مجتمع ما يُسهل وقوع ضعاف الإيمان فيها. ولذلك كان هناك وعيد لمن يحب شيوع ذلك في المجتمع، يقول سبحانه: ﴿إِنَّ الَّذينَ يُحِبّونَ أَن تَشيعَ الفاحِشَةُ فِي الَّذينَ آمَنوا لَهُم عَذابٌ أَليمٌ فِي الدُّنيا وَالآخِرَةِ وَاللَّهُ يَعلَمُ وَأَنتُم لا تَعلَمونَ﴾ [النور: ١٩].

والسؤال الآن: هل المسلمون اليوم مستعدون للإسلام والعيش تحت أحكامه؟!

وقبل الجواب فغالبنا يعلم أن الملتزمين بالإسلام اليوم عباداتٍ ومعاملاتٍ وأخلاقًا هم بين نارين، أو قل بين فريقين

فريق النُظُم والنُّخَب التي اتخذت الإسلام ظِهرِياً، ومعهم منتسبون إلى العلم الشرعي اتخذوه مهنةًوجعلوا من أنفسهم أبواقاًتنفخ في كل حين نفاقًا …! يخافون أن لا يجدوا أرزاقاً

وفريق من المسلمينيشكِّل غالبية إلى حد مااتخذوا من الإسلام شكلاً لا مضمونًاعبادات لا معاملاتعادات لا أخلاقيات! هَمُّ أحدهم الحرص على النافلة! مع تضييعهم الفرائض من السلوك والأخلاق! مع أنهم يُصَلّون ويصومون ويحجون ويعتمرون كثيرًاولكنك لا تكاد تجد فيهم راحلة! كما أخبر النبيﷺ: إنما الناس كالإبل المئة لا تكاد تجد فيها راحلة”(صحيح البخاري 6498).

يكذبونيسرقونيراؤونينافقونيتملقونيداهنونفي غمرتهم ساهون…لا تجد لأحدهم وجهاً واحداًولا لساناً واحداًبل وجوهاً متعددة ، وألسنة متنوعةإن أُعْطُوا رَضُوا وإنْ لم يُعطَوا سخطوا! يصلون في المسجد! ويؤدون طقوسهم ثم يخرجون يخالفون الإسلام في عاداتهم ومعاملاتهم! ولئن قلت لهم: قال الله وقال الرسول ، ثَنَوْا أعطافهم! ونأوا بأنفسهم، واستغشَوا غيَّهم، ونكصوا على أعقابهم.

وكلامي حول هذا الفريق تحديدًا،

فهل هذا الفريق مستعد للعيش تحت أحكام الإسلام؟! وهل لديه القابلية لذلك؟!

الجواب: كلا!

لأن إنفاذ أحكام الدين سيستأصل مصالحهم النفعية الدنيوية التي ألِفُوها! وذلك بعد أن استمرؤوا ضلالهمولعقوا سُحتهم!

إذنما الحل؟

لدينا طريقان لتحقيق هذا الهدف:

أولاهما:

التغيير الداخلي الحقيقي الذي يبدأ من داخل النفس الإنسانية! والنصوص القرآنية تؤكد أن هذا التغيير يبدأ من داخلها، يقول سبحانه:﴿إِنَّ اللَّهَ لا يُغَيِّرُ ما بِقَومٍ حَتّى يُغَيِّروا ما بِأَنفُسِهِم وَإِذا أَرادَ اللَّهُ بِقَومٍ سوءًا فَلا مَرَدَّ لَهُ وَما لَهُم مِن دونِهِ مِن والٍ﴾ [الرعد: ١١].

وهذا التغيير حقيق بأن يتبعه تغيير متتابع في كل مجالات المجتمع.

والآخر:

أن يُؤطَروا على الحق أطْراً! بسلطان قاهر وازع رادع!

ولدينا نصوص مشهورة عن بعض السلف تؤكد أهمية السلطان في ضبط إيقاع الحياة وفق أحكام الدين الحنيف! كالأثر المروي عن عثمان وغيره رضي الله عنه: “ما يَزَعُ (يكف ويردع) الناسَ السلطانُ أكثرُ مما يزعهم القرآنُ”. (رواه رزين كما في جامع الأصول 4/ 83، وابن عبدالبر في التمهيد 1/ 118 بأسانيد رجالها ثقات فيها انقطاع). وروي بإسناد صحيح عن الحسن البصري رحمه اللهوهو في مجلس قضائهفلما رأى ما يصنع الناس قال: “والله ما يُصلِح هؤلاء الناس إلا وَزَعَة”. (التمهيد 1/ 118). أي:من يردعون الناس بقوة السلطان.

وهذه النصوص لا تضاد بينها البتة!

فالأمة عندما تنكص على عقبيها وتتنكّب سبيل ربها فلسوف يأتيها ما توعدها به سبحانه! وستُبتلى بالاستبداد، والظلم والفساد.

فإن راجعت أمرها، وعادت إلى رشدها، ومنهج دينها، وتخلقت بأخلاقه، وقامت بالتناهي عن المنكرات! غَيَّر الله ما بها، ورفع عنها ما ابتلاها به!

ولو أنها كانت على السوية في دين الله، وابتُليت بظلم أو نحوه، فهو ابتلاء سرعان ما يزول بحكم الصبر على البلاء، وأن السلطان لن ينسجم مع مجموع الناس، فإما أن يُبتلى بنزع سلطانه، أو يرجع عن غيه؛ فيعتدل سلوكه ولو خوفًا على ملكه!

وفي المقابلقد لا يصلح أمور الناس سوى سلطان قوي يكفُّهم عن مساوئ الأخلاق ومنكرها، ومُعْوَجِّ الطريقة وانحرافها، فيردعهم عن طغيانهم، وفساد سلوكهم.

وهذه نعمة عظيمة.

﴿وَاللَّهُ غالِبٌ عَلى أَمرِهِ وَلكِنَّ أَكثَرَ النّاسِ لا يَعلَمونَ﴾ [يوسف: ٢١]

4 تعليقات على “الإسلام بين أعدائه وعقوق أبنائه!”

السلام عليكم ورحمة الله وبركاته .
متألق دائما يا دكتور بهذه المقالات الهادفة، فجزاك الله عن الإسلام والمسلمين خير الجزاء..

التعليقات مغلقة.